قصة المهرجانات: عندما يخلط الإعلام بين الأخبار والإشاعات

قصة المهرجانات: عندما يخلط الإعلام بين الأخبار والإشاعات

  • 2014-09-19
  • 12

أكيد: خلال شهري آب وأيلول نشرت الصحافة المحلية ومواقع الكترونية نحو 319 مادة صحفية عما يسمى "ظاهرة المهرجانات" اتسم بعض محتواها الإعلامي بالخلط بين الوقائع الإخبارية والإشاعات ما ساهم في جعل قصة المهرجانات تتقدم على الأجندة الاجتماعية والرسمية.

وتجلى ذلك حينما تحول الموضوع إلى قضية رأي عام ناقشها العديد من كتاب المقالات من خلال 26 مقال نشرت في الصحف اليومية، ما دفع دائرة الإفتاء العام إلى إصدار فتوى عن المهرجانات.

هذا التقرير يقدم حالة دراسية للطريقة التي تساهم فيها وسائل الإعلام في الخلط بين الإشاعات والإخبار، وفي عدم الالتزام بالمعايير المهنية من قبل هذه الوسائل في استخدام المحتوى الذي ينتجه المستخدمون.

وكان الجدل في المجتمع الأردني قد احتدم حيال عددٍ من المهرجانات التي أُعلن عنها على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلتها العديد من وسائل الاعلام، كان أولها مهرجان الألوان الذي أقيم مطلع آب الماضي وتبعه سلسلة من الإعلانات عن مهرجانات لم يُقم أيُّ منها وهي (البيجاما والخمور والطماطم والتعري).

ومثلت تلك الإعلانات مصادرَ اساسية كُتبَ استنادا اليها أخبار ومقالات خصوصا في المواقع الالكترونية، ما ساهم في زيادة الجدل في المجتمع حيال تلك المهرجانات.

خلال آب وايلول نشر عن مهرجان الألوان 126 مادة صحافية، وعن مهرجان (بيجاما بارتي) 77 مادة وعن مهرجان الخمور 75 مادة وعن مهرجان البندورة 19 مادة وعن مهرجان التعري 24 مادة صحفية. ( الارقام تقريبية بالاعتماد على محرك البحث Google.com من تاريخ 1 آب ولغاية 11 ايلول 2014).

وكما ظهر في وسائل الإعلام فإن مهرجان الألوان الذي أقيم في الثالث من آب، لم ينشر عنه أي خبر قبل اقامته، وعملت المواقع الالكترونية على نشر الأخبار المتصلة به بالاعتماد على صور وفيديوهات نشرها مشاركون في المهرجان على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبعدها أعلن عن مهرجان (بيجاما بارتي) الذي كان يفترض أن يقام في 17 تشرين الاول المقبل، وألغي بعد أن جوبه برفض كبير من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وما لبث هذا الرفض أن انتقل الى وسائل الاعلام.

مهرجان الخمور الذي كان مقرراً في التاسع عشر من أيلول ألغي هو الآخر بعد ضغوط اجتماعية، ونشر عنه أخبار في وسائل الإعلام منها ما ورد في صحيفة السبيل بتاريخ 29 آب.

ونقلت الصحيفة الخبر من دون الاشارة الى أي مصدر واضح وجاء فيه (أعلنت شركة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عن تنظيم مهرجان لشرب الخمر في عمان منتصف ايلول المقبل. وفي التفاصيل، أعلن فندق في العاصمة عمان عن تنظيمه الشهر المقبل مهرجان البيرة الأردني الأولى حسب إعلان نشر على أجندة موقع الكتروني متخصص بالأحداث والمناسبات في المملكة. واختار الفندق يوم الجمعة الموافق 19 أيلول لإقامة المهرجان الذي سيكون فيه أكثر من عشرين صنف من "البيرة" من تسعة دول مختلفة.)

لم تحدد الصحيفة في خبرها من هي الشركة التي نظمت المهرجان ولم تحدد اسم الفندق الذي كان يفترض أن يقام فيه الحدث، ما يخل بمعيار الشمول والتكامل لعدم الإحاطة الكافية والشاملة للموضوع، كما أن المحتوى غير واضح لعدم ذكره الوقائع والأحداث والمسميات وهذا يخل بمعيار الوضوح.

بعد ذلك نشرت أخبار عن مهرجانات انعكست أخبارها في وسائل الإعلام ومن بينها مهرجان البندورة "الوهمي" الذي انتقل من صفحات الفيسبوك ليتصدر عناوين الأخبار دون التحقق من صحة الحدث باستثناء موقع "سواليف" الإخباري الذي اتصل مع الشخص الذي أعلن عن المهرجان.

وقال منظم المهرجان الذي فضل عدم الكشف عن اسمه "انه لا يوجد حفل ولن يتم تنظيم أي شيء وإنما تم طرح الفكرة والحفل الوهمي كنوع مختلف من انواع التوعية للشباب بأن لا يتم تقليد كل ما يحصل في الغرب وانه ليس بالضرورة ان تكون عادات الغرب وتقاليده تناسب المجتمع الاردني.كما اكد صاحب الدعوة ل "سواليف" بأنه يتوقع أن يجد اسمه مطروحا في مختلف وسائل الاعلام وان تتم مهاجمته وهو ما حمله على وسائل الاعلام التي تنشر أي موضوع دون التأكد من صحته من عدمها".

وكان مهرجان التعري واحداً من تلك المهرجانات التي أُعلن عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكما نقلت صحيفة الغد فقد "نفى محافظ العقبة فواز ارشيدات أن يكون قد تم الترخيص لأي حفل "تعرٍّ" في فندق خمس نجوم بمدينة العقبة وهو الخبر الذي كان العديد من نشطاء الفيسبوك قد تداولوا إعلانا لمهرجان "تعر" في أحد فنادق العقبة في العاشر من شهر تشرين الأول برعاية العديد من المؤسسات الخاصة".

ونشط بعدها العديد من الكتاب في تناول موضوع المهرجانات وجلهم عارضوا فكرتها، ومنهم من دعا إلى عدم تضخيمها وتناولها بطريقة تحض على الكراهية، وذهب بعضهم الى وصف تلك المهرجانات بأنها "مهرجانات الخراب وصمت التربية"، ودعا آخرون الى أن تضرب الحكومة بيد من حديد كل من يدعو او يروج او يشارك في هذه الصرعات ، وذلك باستخدام القانون وإحالة الداعين أو الفاعلين الى القضاء .

ونشر مقال بعنوان "داعش والثقافة المجتمعية" اعتبر "أننا أمام مشهد انهيارات اجتماعية وبروز ظواهر متطرفة، وتوقعات بالانزلاق نحو مزيد من العنف ومزيد من التفكك المجتمعي الخطير.

واعتبر العديد من الكتاب إن فكرة تلك المهرجانات ليست عبثية، بل هي مبرمجة منذ زمن وتهدف فقط لإلهاء الرأي العام ووسائل الاعلام عن مجمل الاخفاقات في حياتنا السياسية، او أن هناك من يخطط لأمر ما فرأى في (البيجامات) وسيلة من تلك الوسائل، والا ماذا نفسر تراخي اجهزة الدولة في التعامل مع هذه المهرجانات!!"

ونشرت السبيل تقرير موسعاً عن المهرجانات نقلت من خلاله في مقابلة أجرتها مع القيادي في الحركة الإسلامية مراد العضايلة قوله أن قبول الحكومة لمثل هذه الفعاليات بالمملكة هو أمر قبيح، ومرفوض (...) وطالب باتخاذ موقف صارم تجاه مثل هذه المهرجانات التي تدعو للفجور، والانحلال الأخلاقي وفق قوله ويشكل التحقق من صحة المعلومات.

وأمام هذه الزخم الإعلامي الذي رافق هذه المهرجانات اصدرت وزارة الداخلية بياناً توعدت ممن خلاله "مروجي اقامة المهرجانات الخارجة عن سياق الادب والاخلاق العامة وتتنافى مع العادات والتقاليد الاسلامية الحميدة".

وأدى ذلك إلى بناء أجندة في المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة بدائرة الإفتاء التي أصدرت فتوى تحرم إقامة تلك المهرجانات والمشاركة فيها.

ونجد أن العديد من وسائل الاعلام لم تتأكد من حقيقة تلك المهرجان ومن يقف وراءها، ومن هي الجهة الحكومية التي منحتها الترخيص إن وجد. ولم تنشر أية تفاصيل تؤكد صحة إقامتها من عدمه ما يخل بمبدأ حق الناس في المعرفة.

خلاصة مراجعة تغطية وسائل الإعلام لموضوع المهرجانات تتوقف عند مظاهر الاختلالات الآتية:

1ـ أن وسائل الإعلام الاجتماعي التي يحركها بعض الهواة غير المحترفين إعلاميا قادت وسائل الإعلام في هذا الملف.

2ـ لم تتبع معظم وسائل الإعلام التي عالجت الموضوع القواعد المهنية الخاصة بالتحقق من المصادر واعتمدت على مصادر جماعية غير معروفة الهوية.

3ـ لم تتحقق وسائل الإعلام التي اهتمت بالموضوع من الحجم الحقيقي للوقائع مقابل حجم الإشاعات، إذ أثبتت الوقائع أن عدداً من المهرجانات كانت مجرد إشاعات على موقع الفيسبوك مثل مهرجاني التعري والبندورة.

4ـ لم تراعِ وسائل الإعلام، التي اهتمت بالموضوع، القواعد المهنية في التعامل مع المحتوى الذي ينتجه المستخدمون للانترنت.

المبادئ الأساسية التي طورها "أكيد" للتحقق من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون:

1ـ ما حجم القيمة الإخبارية للمحتوى الموجود على شبكات الإعلام الاجتماعي، أي: هل يوجد له أهمية وقراءة تستحق التحقق منها.

2ـ من هو المصدر الذي يقدم هذا المحتوى؟

ـ هل هو مصدر واضح الهوية؟

ـ هل هو من "الصحافيين المواطنين" الذي سبق وان قدم أخباراً موثوق فيها على الشبكة؟

ـ هل هو من الناشطين المعروفين بهويتهم ومن خلال حسابه الالكتروني مما يمكن الاتصال بهم؟

ـ أم أن الحساب الذي قدم المحتوى غير معروف ويمكن التشكيك بهويته؟

3ـ هل المعلومات التي يقدمها المستخدم يمكن التحقق منها من مصادر أخرى؟

4ـ هل يوجد تناقض في المضمون أو المعلومات يُشككُ فيها؟

ما العمل؟

1ـ حدد القيمة الإخبارية للمضمون، هل يستحق أن تبذل جهداً من أجله؟

2ـ المضامين المنشورة في حسابات مجهولة الهوية ابتعد عنها؟

3ـ إذا كان الحساب معروف الهوية وسبق أن نشر أخبارا في السباق وخُبر عنه الصدقية حاول أن تتصل به.

4ـ تتبع المسار الزمني للموضوع وتطور مضمونه على الشبكة وصولاً إلى أول مصدر قام بنشره.

5ـ القاعدة المهنية، وحتى هذا الوقت، أن أي مضمون يقدمه المستخدمون عبر الشبكة لا تتوفر أدلة على مصداقيته يجب تجنبه.

وفي المقابل تضع العديد من المؤسسات الاعلامية قواعد صارمة للتعامل مع المحتوى المنتج من قبل المستخدمين User-Generated Content والذي يقصد به المضامين التي ينتجها مستخدمو الشبكة خارج نطاق قواعد ومعايير المهنية الإعلامية، وينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات والتعليقات على المواقع الإخبارية.

ويشمل هذا المحتوى العديد من المضامين الإعلامية منها الأخبار والشائعات ومنها محتوى متطور مدمج بالمحتويات المصورة، ومعظم أشكال هذا المحتوى يجري إبداعه على أسس غير تجارية وغير مهنية.

وتعرض أكاديمية دويتشه فيله، أحد أقسام مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية/ قناة ألمانيا العالمية، نماذج لطرق تعامل أبرز محطات التلفزة ووكالات الأنباء في التعامل مع هذا النوع من المحتوى.

فالقاعدة الأساسية التي تعتمدها الـ (بي بي سي) هي في ظل وفرة محتوى المعلومات التي يعتزم صحافيوها نشرها، تتبع القاعدة الذهبية، وهي التواصل مع المصدر هاتفياً أو عبر السكايب.

وهكذا تنجز خطوتين للتحقق من المعلومات في آن واحد: فمن ناحية يمكن سؤال المصدر عن خلفيات اللقطات التي صورها، ومن ناحية أخرى يتم في الوقت ذاته طلب الموافقة على حق النشر. لهذا السبب يعد البحث عن المصدر بالنسبة (BBC) هو القاعدة الأساسية لأي عملية تحقق من المصدر. وهنا لابد من الإجابة على التساؤلات التالية:

أين جرى تحميل المادة أولاً؟

متى جرى تحميل المادة؟

هل هناك دوافع أو صلات لاختيار المصدر للموقع لتحميل المادة؟

وبالرغم ذلك لا يتمكن صحافيو (BBC) في أغلب الأحيان من التواصل مع المصادر بشكل مباشر،لأن التعرف على هويات هؤلاء الأشخاص قد يعرض حياتهم للخطر.

وفي هذه الحالات يتم اللجوء إلى خبراء قسم (UGC) من أجل اتخاذ خطوات إضافية في عملية التحقق من المصدر:

التحقق من المحتوى: هل هناك تطابق بين الأماكن المعروضة والمعطيات؟ هل الكلام أو حتى اللهجة مفهوم؟ لتتأكد من ذلك تسألخبراء محليين (مراسلين، مهاجرين، مرشدين وغيرهم(

التحقق التقني: التأكد من عدم التلاعب بالتسجيلات والصور.