كيف يحدد القارئ الأردني خياراته على الانترنت؟

كيف يحدد القارئ الأردني خياراته على الانترنت؟

  • 2017-07-17
  • 12

أكيد- أحمد أبو خليل

للمواقع الإخبارية الالكترونية حيز واضح في المشهد الإعلامي المحلي، لكنها –كما ستبين السطور التالية- صارت تقدم نموذجا جديدا للمؤسسة الإعلامية يختلف عما عهدناه وخاصة في عنصر شخصية المؤسسة وشكل تعريفها وتقديمها لنفسها ومخاطبتها جمهورها.

كعينة للتحليل والنقاش، اخترنا مجموعة المواقع الالكترونية الإخبارية التي تحتل مراتب متقدمة في المتابعة والقراءة من قبل الجمهور. ولتحديد هذه المواقع اخترنا البيانات التي يقدمها موقع "أليكسا" المتخصص بتقديم بيانات إحصائية حول انتشار المواقع الالكترونية. إذ رغم وجاهة الملاحظات حول أدائه ومدى حياديته، فإنه لا يزال معتمداً كمرجع رئيسي في هذا المجال.

في كل بلد يقدم موقع "أليكسا" لمتصفحه قائمة بأول خمسين موقعاً من حيث الانتشار، وتشمل القائمة المواقع المختلفة بغض النظر عن "جنسيتها" أو بلد ترخيصها. وبالطبع تتبدل محتويات القائمة على الدوام.

عند إعداد هذا التقرير، كانت قائمة الخمسين موقعاً الأكثر انتشارا في الأردن تضم 17 موقعاً إخباريا محليا أردنيا، فيما كانت باقي المواقع في القائمة تتوزع على اختصاصات مختلفة وتشمل مواقع عربية ودولية ذات اهتمامات مختلفة، منها مواقع البحث الشهيرة (غوغل وغيره) ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر..) وبعض المواقع الإخبارية والفنية والرياضية والجنسية.

بين 17 موقعاً

لغايات هذا التقرير، سنتعامل مع قائمة الـ 17 موقعاً محليا الواردة في قائمة "اليكسا"، ومرة أخرى نذكر أننا نعتمدها بغض النظر عن دقتها، وسوف نقيس بعض العناصر ذات الصلة بموضوعنا المشار إليه أعلاه، وهو تبدلات شخصية المؤسسات الإعلامية الجديدة، وعلاقة ذلك بالمؤسسات "التقليدية"، وذلك اسهاماً في نقاش حالة المشهد الإعلامي المحلي.

تضم القائمة المواقع التالية: الوكيل نيوز، سرايا نيوز، جراءة نيوز، عمون، الكون، سواليف، خبرني، رؤيا نيوز، جفرا نيوز، رم أونلاين، جراسا نيوز، صراحة نيوز، جو 24، السوسنة، زاد الأردن، عمان نيوز، الخبر الآن.

من بين هذه المواقع، فإن ثمانية منها لا تقدم أي تعريف حول نفسها، ولا يتمكن المتابع من التعرف على أي اسم لأي من العاملين فيها، وحتى إذا نقرت على عبارة "من نحن" أو "اتصل بنا" المتوفرة على الصفحات الرئيسية لأغلب المواقع، فإنك في هذه المواقع الثمانية لا تحصل على أسماء، ويقتصر الأمر على أرقام هواتف أو إيميلات، كما تقدم المواقع فقرات حول أهدافها وتنشر اوصافاً لأدائها.

خمسة مواقع فقط منها، تقدم معلومات مثل أسماء رؤساء التحرير وبعض المحررين. فيما تقدم المواقع الأربعة المتبقية معلومات جزئية عن نفسها، إذا تكتفي بنشر اسم واحد (رئيس التحرير و/ أو المالك).

في التفاصيل الأخرى المزيد من الملاحظات أو المفارقات؛ ففي هذه المواقع المتقدمة، يعمل في كل منها بالمعدل ما بين 5- 10 من العاملين بين محرر ومندوب معتمد. ويشترط القانون أن يكون رئيس التحرير صحفياً مسجلا في سجلات النقابة، وغير ذلك لا شروط مهنية فيما يتصل بالتوظيف.

وهذا يعني أن هذه المؤسسات الإعلامية "الكبيرة" تختلف عما هو دارج، ففي كثير من الحالات لم تكن المواقع أصلاً تحدد رئيس تحرير مسؤولا، وعندما وضع القانون (عام 2012) شرطا بأن يعين رئيس تحرير وأن يكون صحفيا، لجأت بعض المواقع إلى الالتزام الشكلي فقط، أي تعيين رئيس تحرير مسؤول ولكن بلا مسؤولية فعلية مباشرة، وهو ما أصبح شبه تقليد في كثير من المواقع، وبهذا نكون أحياناً أمام مؤسسات إعلامية بلا صحفيين بالمعنى المحدد لكلمة "صحفي". وقد "طورت" بعض وسائل الإعلام محتوى كلمة "إعلامي" لتصبح لقباً للعاملين في وسائل الإعلام من غير الصحفيين.

تنص المادة العاشرة من قانون المطبوعات على أنه: لا يجوز لغير الصحفي ممارسة مهنة الصحافة بأي شكل من أشكالها بما في ذلك مراسلة المطبوعات الدورية.. او تقديم نفسه على انه صحفي...

ويعرّف القانون الصحفي بأنه "عضو النقابة المسجل في سجلها واتخذ الصحافة مهنة له وفق أحكام قانونها". كما يعرف المطبوعة الدورية بأنها تشمل "المواقع الالكترونية".

كما تنص المادة 22 على شرط أن يكتب مالك المطبوعة اسمه واسم رئيس التحرير في موقع بارز.

ماذا عن مواقع الصحف اليومية؟

حتى تكتمل الصورة، تعالوا ننظر إلى المواقع الالكترونية التابعة للصحف اليومية الأربع، التي تتسلسل في ترتيب "أليكسا" كالتالي:

صحيفة الغد في المرتبة رقم 82

صحيفة الرأي في المرتبة رقم 132

صحيفة السبيل في المرتبة رقم 188

صحيفة الدستور في المرتبة رقم 232

وحتى وكالة الأنباء الرسمية "بترا" التي تعد المصدر الأساسي للخبر المحلي عموماً وتستخدم كادرا كبيرا من الصحفيين، فإن موقعها الالكتروني يحتل المرتبة 315

نحن إذا أمام مؤسسات صحفية كبرى توظف مئات الصحفيين ينتجون مادة صحفية كبيرة وشاملة ومنجزة بشكل مهني جيد عادة، لكنها مؤسسات متأخرة في الحضور على الانترنت نسبيا.

رغم أن الموقع الالكتروني للصحيفة يعامل في دائرة المطبوعات كمطبوعة مستقلة ويرخص لوحده ويعين له رئيس تحرير مستقل مختلف عن رئيس تحرير الصحيفة الورقية، فإن أيا من هذه الصحف لم تنشر اسم رئيس تحرير الموقع الالكتروني على الموقع نفسه وبقي الأمر كإجراء داخلي باختيار أحد الصحفيين لشغل المنصب.

لكن مثالاً آخر جدير بالتأمل أيضاً: فقد أسس رئيس تحرير سابق ليومية معروفة "العرب اليوم" برفقة صحفي رئيسي في اليومية ذاتها موقعاً أرادوه أن يتميز كـ"صحيفة الكترونية" كاملة المواصفات، من حيث الكادر والأدوار وباقي الشروط المهنية، لكن موقع هذه الصحيفة الالكترونية، عند إعداد هذا التقرير، كان يحتل المرتبة 1308. وهو ما يعني أنه لا توجد علاقة طردية إيجابية بين المادة الصحفية المهنية وبين اقبال الجمهور على متابعتها.

الصحفي بين "صحيفته" و"موقعه"

بل إن صحفيين عاملين في صحف يومية وبمواقع متقدمة ومن أصحاب الخبرة، عملوا بالتوازي في مواقع الكترونية خاصة بهم، وقد حققت مواقع متقدمة على مواقع صحفهم. إن مالك أقدم موقع الكتروني إخباري "عمون" عمل لفترة طويلة رئيسا لتحرير صحيفة الرأي، ولكن هذه الصحيفة بكادرها الكبير وتاريخها المعروف لم تتمكن من المنافسة على مرتبة متقدمة، أي أن الصحفي ذاته استطاع أن يحقق في موقع الكتروني خاص، وبكادر محدود، ما لم يتمكن من تحقيقه في مؤسسة كبرى.

إن صنف المادة الذي ينشره الصحفي في موقعه الالكتروني لا يتمكن من نشره في الصحيفة. فالموضوع الواحد ينتقل من الموقع الالكتروني للصحيفة إلى الموقع الالكتروني للصحفي ولكن بأشكال مختلفة من حيث اللغة والحجم والعنوان والصور المرفقة. وكثيرا ما يحصل أن تنشر وكالة الأنباء "بترا" أو إحدى الصحف اليومية خبرا مهماً، ولكنه لا يحظى بالانتشار إلا بعد "إعادة إنتاجه" من قبل أحد المواقع.

تعتمد كل وسائل الإعلام اليوم في نشر أخبارها وجذبهم للدخول إلى مواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد انتقلت "اللعبة" من داخل المؤسسة المنتجة للخبر أو المادة الصحفية إلى مواقع التواصل التي لا تزال أساليب العمل فيها مفتوحة و"حرة" بالكامل، ولم تؤسس تقاليدها أو شروطها الخاصة، ومن المرجح أن ذلك لن يتم بسهولة بالنظر إلى التبدلات السريعة التي يشهدها التواصل الاجتماعي ذاته.

من المهم الإشارة إلى أن هذه القضايا لا تزال قيد النقاش على المستوى العالمي أيضاً، ولم تُحسم بعد، وهذا بالطبع لا يعني أن علينا انتظار الإجابة العالمية على الأسئلة المطروحة، بل أن نسارع إلى الانخراط في نقاش إعلامي "محلي" يقدم إجابات محلية.