مقتل الطبيب أبو ريشة: وسائل إعلام تقرر الإدانة قبل المحاكمة

مقتل الطبيب أبو ريشة: وسائل إعلام تقرر الإدانة قبل المحاكمة

  • 2015-05-25
  • 12

أكيد – دلال سلامة

ما تزال تغطية اخبار الجرائم والقضايا التحقيقية تشكل تحديا واضحا في وسائل الإعلام الأردنية وخلال الاشهر الماضية تناول "أكيد" نماذج لتجاوزات مهنية في هذه التغطية، وعلى الطريق ذاته تأتي التغطية الإعلامية لواقعة مقتل طبيب الاطفال محمد أبو ريشة، التي تشكل نموذجاً للتغطيات الإعلامية للجرائم التي تثير جدلا في قضية تحقيقية، فيما المفترض مهنياً أن تقوم وسائل الإعلام بتقديم خدمة اخبارية للجمهور، وتحديدًا في قضايا الجرائم والقضايا التحقيقية، بعيداً عن التأثير على المجتمع وأطراف القضية، والجهات التحقيقية والشهود ومسار التحقيق.

بدأت الأخبار المتضاربة في القضية تتدفق في وسائل الإعلام بشكل كبير عن حادثة القتل التي راح ضحيتها الطبيب أبو ريشة في 10أيار2015، حيث أوردت وسائل الإعلام روايات متضاربة ومتناقضة في السبب وراءها، فقالت  صحيفة السبيل "إن سبب الجريمة خلاف سابق على دور في عيادة الطبيب"، أما موقع أيله فقال: "إن المتهم متعاط للمخدرات"، في حين نشرت جراءة نيوز خبرًا مختلفاً عزت فيه سبب الجريمة إلى "رفض الطبيب إعطاء المتهم تقريرا طبيا". أما موقع "خبرني" فقد جاء برواية مختلفة لينسف ما سبق، ويقول: "لا خلفية مهنية" خلف الجريمة، وأن السبب غير مرتبط بمهنة المجني عليه، مشيراً إلى أن "سبب الجريمة يعود لخلافات شخصية بين المغدور والمتهم حسب التحقيقات".

ومن خلال متابعة مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"، لهذه القضية التي تفاعلت أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه التغطية  لم تراعِ  المعايير المهنية والأخلاقية في التعامل مع القضايا التي يجري التحقيق فيها، وساهمت في تقديم معلومات مربكة للرأي العام الذي تفاعل مع القضية بشكل كبير.

الإعلام والمجتمع يصدران الحكم في القضية:

أخذ الإعلام والجهات الفاعلة في الدولة دورَ القاضي في إصدار الحُكم قبل انتهاء التحقيق، أي قبل وصول القضية إلى المحكمة، وهذا يشكل إخلالا لمبادئ : عدم التأثير على سير العدالة، وسرية التحقيقات، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن من حق المتهم الحصول على محاكمة عادلة.

ومن النماذج على تلك المحاكمات:

نقلت صحف ووسائل إعلام تصريحات منسوبة لرئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أثناء استقباله وفدا يمثل أهل المجني عليه يقول فيها " إن مجلس النواب ينحاز مع قضية الطبيب العادلة، ومع مطالبات الوفد وبشكل خاص ما يتعلق بالإسراع بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق المجرم وشركائه".

ألصقت بعض وسائل الإعلام كثيرا من التهم على منفذ الجريمة، من بينها أنه تاجر للمخدرات، وأنه صاحب أسبقيات جرمية، وتعاملت غالبية وسائل الإعلام مع القضية على أن سببها مرتبط بمهنة المغدور، فيما لم تُعلن حتى الآن نتائجُ التحقيقات السببَ الحقيقي للجريمة.

ويُذكر " أكيد" أن  للنشر في هذه القضايا  قواعد محددة، فقضايا التحقيق الابتدائي، يمنع القانون نشر أي معلومة عنها، حيث نصت المادة (39) من قانون المطبوعات والنشر على أنه:

أ. يحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بـأي قـضية قبـل إحالتها إلى المحكمة المختصة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك.

ب . للمطبوعة الصحفية حق نشر محاضر جلسات المحاكم وتغطيتها مـا لـم تقـرر المحكمة غير ذلك حفاظاً على حقوق الفرد أو الأسـرة أو النظـام العـام أو الآداب العامة”.

وانطلاقا من المسؤولية الأخلاقية للإعلام فإن النشر كان يجب أن يحافظ على سرية التحقيق، وأن يحمي العلاقات الأسرية، ويراعي حقوق الضحايا، والجهات المتهمة التي تبقى بريئة حتى يثبت إدانتها، كما أنه يتوجب مراعاة عدم نشر الأخبار التي من شأنها التأثير على الشهود ومجريات التحقيق وتقديم مستندات ومعلومات تفيد الأطراف المتهمة.

وفي مثل هذه القضايا فإن على وسائل الإعلام التقيد بالمعايير القانونية والمهنية في التغطية للجرائم والقضايا التحقيقية وهي:

ـ أن الأصل في التحقيق السرية.

ـ عدم التهويل والاستناد على الاستنتاجات الشخصية للصحفي كون المسألة حقوقية قضائية، وليست ذات طابع تحليلي.

ـ مراعاة عدم المساس بالنظام العام في المجتمع، وعدم خدشه والتأثير على الأجيال وسلامة المجتمع من شدة التهويل ووقع القضية على الرأي العام حيث تؤدي إلى زعزعة الأمن، ونشر الخوف والهلع بين صفوف المواطنين.

ـ أن لا يكون دور سائل الإعلام نقل المسألة من قضية منظورة أمام المحاكم إلى محاكمة من قبل الرأي العام .