كشف تقرير حديث، بثته شبكة الصحافة الأخلاقية، وأعدته الصحفية اللبنانية ماجدة أبو فاضل، حول الصراعات والقيم الأخلاقية الماثلة في تغطية الأحداث إعلامياً، عن ضعف ممارسة وسائل الإعلام العربية للمسؤولية الأخلاقية في تغطية الصراعات الراهنة، وعدم لعبها دوراً إيجابياً في الحد من خطاب تأجيج الكراهية والفتنة. وطالب التقرير وسائل الإعلام العربية ببذل المزيد من الجهد لتخفيف الصراعات التي تساعد على إثارة الفتنة. مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، يقدم ترجمة بتصرف لمجمل تقرير الزميلة "أبو فاضل":*
لقد أخفقت وسائل الإعلام العربية في أداء مسؤوليتها الأخلاقية في عدم تأجيج نيران الكراهية والفتنة، وهي اليوم مطالبة ببذل المزيد من الجهد لتخفيف الصراعات، بدلاً من أن تساعد على إذكاء نار الفتنة.
لقد جرى في الأيام القليلة الماضية، إطلاق "هاشتاغ" عبر موقع "تويتر" – لم أرغب أبداً في استخدامه - كان يتحدث حول "امرأة مسيحية عمرها 70 عاماً، جُرِّدَتْ من ملابسها وطافت بها حشود غاضبة في الشوارع وهي عارية"، وقد غردت بهذا الهاشتاغ سوزي حنا.
الهاشتاغ، الذي جرى تداوله بعدة لغات فرنسية (Masr It’arret)، وإنجليزية (Egypt Stripped) وعربية (مصر تتعرى)، انتشر كالفيروس، أو كالنار في الهشيم، عندما أقدم مجموعة من الرجال المسلمين الغاضبين على تعرية امرأة مسيحية قبطية مسنة من ملابسها وطافوا بها في شوارع مدينتها الصعيدية، ذات الأعراف المحافظة، التي تقع في إحدى أحياء محافظة المنيا، إثر ورود اشاعات عن وجود علاقة غرامية بين ابنها وامرأة مسلمة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أحرق مسلحون منزلها، وستة منازل أخرى، فيما استغرقت قوات الشرطة ساعتين لتتمكن من فرض سيطرتها ووقف أحداث الشغب.
إن موجات العنف التي مبعثها الطائفية، شائعة في صعيد مصر، وأكثر ما يثير هذه الأحداث، هو العلاقات الغرامية، خارج إطار الزواج، بين شاب وفتاة، من ديانتين مختلفتين.
يسمح للرجل المسلم -ولا يُشَجَّعْ على ذلك- بالزواج من امرأة مسيحية، في حين يجب على الرجل المسيحي أولاً اعتناق الإسلام إذا كان يرغب في الزواج من امرأة مسلمة.
الكاتب الصحفي مأمون فندي، كتب في صحيفة "الشرق الأوسط" الواسعة الانتشار في العالم العربي: "إن أكثر ما يؤلمني كرجل صعيدي في حادثة تعرية امرأة مسنة من ملابسها في محافظة صعيدية، هو أن ما تبقى من القيم المحافظة واللائقة في المجتمع الصعيدي قد تلاشت وتحللت أو تفككت مع مرور الوقت.
فندي، دعا عبر مقالته التي حملت عنوان "حركة رجولة"، إلى تأمل الحدث الخطير من أعلى مستويات القيادة إلى أدنى الدرجات في المجتمع. وقال: "المصريون مطالبون بتفحص خزان الرجولة في الصعيد. إن حادثة المنيا قد ضربت قناعة وطنية راسخة فيما يتعلق بقيم الشهامة والنبل والشرف".
فيما كتبت الصحفية اللبنانية، ديانا مقلد، وفي نفس الصحيفة: "حادثة السيدة القبطية ليست مجرد تفاصل معزولة، لا سيما في ظل نهج وسائل الإعلام المستمر في التعامل مع هذه الأمور بطريقة بغيضة تتعارض مع الحقيقة، وتزييفها لحقيقة الآلام العميقة التي هزت المجتمع بسبب هذه الحادثة".
لقد كان للصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، آثاراً خطيرة، وغالباً ما كانت سلبية التأثير والآثار على وسائل الإعلام العربية، وقد تفاقم هذا التأثير السلبي، بعد بروز وسائل الإعلام الاجتماعي، التي أصبحت تنافس الوسائل التقليدية، وقد كانت القيم الأخلاقية على الدوام هي الضحية الأولى.
وفي مصر، بات التشهير عبر وسائل الإعلام هو السمة الغالبة يومياً، حيث تتعرض حرية الصحافة للخطر، والحفاظ على "الأمن" هو الذريعة التي تستخدم للتضييق عل الصحفيين والنشطاء، وهي مسألة ليست حصرية أو خاصة بالصحافة المصرية، أو في ذلك البلد.
تنعكس الآثار البغيضة للطائفية والكراهية الناجمة عن الحروب الأهلية والمصاعب الاقتصادية في عديد من وسائل إعلام عربية أخرى، وفي كثير من الأحيان يكون لها تأثير مميت.
في الشهر الماضي، توقفت لمدة عشرة أيام في الأردن، للمشاركة في تدريب صحافيين ليبيين، ومديري وسائل إعلام على تقارير عن حساسية الصراعات.
لقد شهدت ليبيا، الكثير من صور التحريض على الكراهية والعنف، بسبب الاقتتال الداخلي والإرهاب، والانقسامات، وتدفق اللاجئين والمهاجرين من الدول الإفريقية الأخرى في محاولة للوصول إلى أوروبا، منذ الإطاحة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011.
بعض المتدربين سافر من ليبيا وتونس ومصر إلى الأردن. وكان آخرون بالفعل متواجدون في عمّان، خاصة أنهم يعملون بالفعل لدى وسائل إعلام ليبية مقرها في العاصمة الأردنية.
البرنامج التدريبي، نظمته ومولته (اليونسكو)، جنباً إلى جنب مع السفارة الأميركية في ليبيا، ووزارة الخارجية الفنلندية، عن طريق ورشتي عمل حول كيفية تغطية الأخبار في بؤر النزاع والمناطق الحساسة والمضطربة خلال الصراعات، والحدث النهائي كان عبارة عن ورشة لإنتاج مدونة لقواعد السلوك لضبط إيقاع وأداء وسائل الإعلام الليبية.
لقد قدمت عروض وأشرطة فيديو، وتمارين مصممة لهذا المشروع، وعملت مع المشاركين والمتدربين لخلق قاعدة من التعريفات الخاصة بأفضل الممارسات في مجال إعداد التقارير الخاصة بحساسية الصراعات، والصحافة بشكل عام. وكان التركيز على البعد الأخلاقي، حاضراً أكثر من أي وقت مضى، في جميع الورش والدورات والعروض، في محاولة لخلق قاعدة صلبة، تسمح بتقصي الحقائق، وانتاج واعداد وتقديم التقارير ونشر المحتوى الدقيق والمنصف والمتوازن والإنساني.
لقد بدأنا الورشة التدريبية بتعريف لمفاهيم: الصحافة، التحيز، حساسية الصراعات. وقدمت دراسة عن حالة الحرب الأهلية في لبنان والتوترات الداخلية الناجمة عنها والتي لا تزال حاضرة، وكيف كانت اللغة الاستفزازية في وسائل الإعلام، بالماضي، وكيف يمكن أن تكون، مستقبلاً، نقطة انطلاق لأعمال عنف جديدة.
ركزنا على نشر معلومات كاذبة ومضللة، وعرضت على الصحفيين المتدربين أيضاً كيفية تقييم الدعاية في السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية، والأثر النفسي لها على المتلقين. وكانت الآلة الإعلامية لتنظيم "داعش" الإرهابي، التي يستخدمها في حربه النفسية وفي حملات العلاقات العامة لتجميل صورة التنظيم في ليبيا، الدرس الأكثر معاصرة، للتدليل على أساليب التلاعب الإعلامي، وذلك نظراً لما يحظى به التنظيم الإرهابي من حضور قوي جداً في ليبيا.
لقد كان هناك أيضاً جلسة مخصصة للشائعات، وشرحت خلال الورشة التدريبية هذا المفهوم، وفككت رموزه، وأوضحت كيف يمكن استخدامه من مختلف الفصائل والتنظيمات وحتى الحكومات للترويج لبرامجها، مع مساعدة ولو قليلة من وسائل إعلام متوافقة مع هذه الأجندة.
التأثير القوي للإعلام البصري، كأدوات رئيسة تستخدم في مناطق الصراعات وبؤر النزاعات، كانت هي الأخرى، محل دراسة متعمقة، وقد شمل ذلك، مراجعة الصور والرسوم البيانية والرسوم التوضيحية والخرائط وأشرطة الفيديو، وتأثير الصدمة من خلال وسائل الإعلام، ومقارنة الآثار السلبية الناجمة بالمقارنة مع الآثار التي تنجم عن استخدام هذه المؤثرات وسائل الإعلام الاجتماعية مثل: "فيسبوك" و"تويتر"، وغيرها. كان هناك أيضاً جلسة منفصلة، تناولت: وسائل الإعلام التقليدية عبر الإنترنت، الوسائط المتعددة الرقمية ووسائل الإعلام الاجتماعية.
التحريض الديني والطائفي، وكيفية تغطية الشؤون الدينية، كانت مواضيع وعناوين لجلسة أخرى، مع دراسة حالات عديدة وأشرطة فيديو متخصصة برصد التحريض الديني والطائفي في وسائل الإعلام، ونصائح حول كيفية تغطية مثل هذه المواضيع. أما الجلسة النهائية في حلقات العمل الرئيسية فقد ركزت على صحافة "السلام"، وكيف يمكن لثقافة السلام أن تسود غرف الأخبار، وأن تتغلغل بين الناشرين والمحررين والمنتجين في إطار من المشاركة والتفاعل الإيجابي.
أما الحدث النهائي، فكان عبارة عن ورشة عمل تضم بعض المشاركين من المتدربين، وركزت على بلورة مدونة لقواعد السلوك الأخلاقية والمهنية، التي يرجى أن تكون ضابطاً لإيقاع وأداء وسائل الإعلام الليبية، وقد جاء ذلك في أعقاب جهود سابقة نظمتها (اليونسكو) لإنشاء قاعدة للأخلاقيات في وسائل الإعلام الليبية.
وقد قدمت تمارين وأمثلة على كيفية صياغة مدونات لقواعد السلوك، ونماذج وعروض لبعض القواعد الأخلاقية التي تعتمدها دول أخرى، والتي يمكن تطبيقها في ليبيا، تضمنت مناقشات مكثفة حول أخلاقيات وسائل الإعلام، خطاب الكراهية، والتحقق والتوثيق وتدقيق الحقائق، فضلاً عن التذكير بالأساسيات الصحفية عبر جميع المنصات الإخبارية ووسائل الإعلام.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني