أكيد- أفنان الماضي
ساهمت وسيلة إعلام محليّة في نشر وتداول وثيقةٍ صادرة عن وزارة الصحة، تحظر تسريب الوثائق.
مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني "أكيد" يرى وقوع الوسيلة في مخالفات مهنيّة وقانونيّة، إذ يحظر على الإعلام نشر الوثائق الرسميّة السريّة دون تصريحٍ رسمي، إضافة إلى اقتباس الوسيلة موادها عن وسائل التواصل الإجتماعي، كما قامت بمحاكاة وتأييد الدَّور الذي قام به الموظف عند تسريبه لوثيقة تمنع التسريب نفسه، والذي قد يُعدُّ استهتاراً بالتعليمات.
ويدعو "أكيد" وسائل الإعلام إلى إدراك مدى تأثير الإعلام في المنظومة القِيَميّة للمواطنين، وأنّ تداول الأعمال الخارجة على القانون، أو المنافية للتعليمات، قد توحي للمواطن بإمكانية التجاوز، وسهولة تسريب الوثائق للإعلام وبطرق ملتوية، مع إمكانيّة استجابة الإعلام لذلك بعيداً عن الضوابط المهنيّة والقانونيّة.
الدكتورة نهلا المومني الخبيرة في التَّشريعات الإعلاميّة والأخلاقيّات الصَّحفية وعضو لجنة شكاوى الإعلام قالت إنّ تناول قضيّة تسريب وثيقة وزارة الصحة يتطلّب الحديث عن ثلاثة أمور:
أوّلاً: المسؤوليّة القانونيّة عن تسريب الوثائق في التشريع الأردني.
ثانياً: ما لا يُعدُّ تسريباً للوثائق.
ثالثاً: الإعلام وتسريب الوثائق.
أوّلاً: المسؤوليّة القانونيّة عن تسريب الوثائق
ينطوي تسريب الوثائق الرسميّة على نوعين من المسؤوليّة: المسؤوليّة الجزائيّة والمسؤوليّة التأديبيّة، حيث تتمثّل المسؤوليّة الجزائيّة في قانون العقوبات الأردني والذي جرّم في المادة 355 منه كلّ موظف عام حصل بحكم وظيفته أو مركزه الرسمي على أسرار رسميّة وأباح بها لمن ليس له صلاحيّة الاطلاع عليها بعقوبة تصل إلى الحبس مدّة لا تزيد على ثلاث سنوات. كما نصّت المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونيّة على أنّ كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكترونيّ أو اشترك أو تدخّل أو حرّض على ارتكابها يعاقَب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع. كما تجدر الإشارة إلى قانون حماية أسرار الدولة ووثائقها يجرّم تسريب الوثائق علماً بأنّ هذا القانون يضع تصنيفاً للوثائق المحميّة.
أما المسؤولية التأديبية عن تسريب الوثائق فتجد أساسها القانونيّ في نظام الخدمة المدنيّة ومدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة؛ حيث نصّ نظام الخدمة المدنية في المادة 69/ب على أنه يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤوليّة التأديبيّة الاحتفاظ خارج مكان العمل لنفسه بأية وثيقة أو مخابرة رسميّة أو نسخة منها أو صورة عنها أو تسريبها لأي جهة خارجيّة أو الكتابة أو التصريح عنها دون أن يكون ذلك من صلاحيّاته . كما أنّ النظام ذاته خوّل الوزير صلاحيّة إيقاف الموظف الذي يقوم بتسريب الوثائق عن العمل لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وصرف ما نسبته 50% من راتبه الإجمالي .
أمّا مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيّات الوظيفة العامة فقد ألزَمَتْ الموظف العام بالامتناع عن أي عمل يؤثر على ثقة الجمهور بالوظيفة العامة وأوجبت المدونة ذاتها على الموظف الحفاظ على السريّة وحظر الإفصاح عن المعلومات الرسميّة والوثائق والمستندات التي حصل عليها أو اطلع عليها أثناء قيامه بوظيفته .
ثانياً: ما لا يُعدُّ تسريباً
لا ينطوي تحت بند التسريب الوثائق التي يتمّ رفعها إلى هيئة مكافحة الفساد والتي تنطوي على مخالفات ترقى إلى شبهة الفساد، بل يتمتّع الموظف في هذه الحالة بالحماية القانونيّة.
ثالثاً: تسريب الوثائق والإعلام
بناء على ما تقدم فإنّ تسريب الوثائق الرسميّة يشكّل جرماً جزائيّاً، بالإضافة إلى أن يؤدي إلى المساس بعمليّة سير المرفق العام بانتظام واطراد وهو مبدأ إداري أصيل، كما أنه يؤدي في ظلّ اجتزاء الكتب والوثائق المسرّبة إلى التأثير على ثقة الأفراد بالمؤسّسات العامة .
وبالتالي فإنّ قيام وسائل الإعلام على اختلافها بإعادة نشر هذه الوثائق والاستمرار في تداولها عبر هذه الوسائل من شأنه أن يُشَرْعِن لفعلٍ مخالف للقانون من حيث الأصل، كما أنه يشجّع الآخرين على سلوك مثل هذه الأفعال. ومن واجب الإعلام أن يُعزّز مبدأ سيادة القانون وأن يكون أداةً من أدوات المناداة بدولة المؤسّسات التي تقوم على أسس وإجراءات واضحة وأن يطالب بتفعيل أسس المحاسبة والمساءلة والمطالَبة بانسيابيّة المعلومات. وهو الأمر الذي أكده ميثاق الشرف الصحفيّ في المادة الثالثة منه حيث أكد على أن يلتزم الصحفيّون بتأكيد سيادة القانون وعدم التحيّز لجانب على آخر، وفي المادة العاشرة أكّد على أنه ولزيادة مصداقيّة الصحفيّين عليهم "اللجوء إلى مصادر متعدّدة"؛ ممّا يعني بالضرورة عدم اجتزاء الحقائق أو الوثائق وإنّما البحث والتحقّق من سياقها العام ومدى قانونيّتها .
كما أشار ميثاق الشرف الصحفيّ إلى التزام الصحفيّ بالتاكد أنّ المعلومات التي يجري تسريبها إليهم لغايات النشر لا تخدم مآرب شخصيّة ولا تستهدف ممارسة نفوذ شخصيّ على أفراد أو جهات أو هيئات بقصد الإساءة إليها .
خلاصة القول إنّ الأصل من قبل الأفراد أن يتمّ اتباع الأصول والإجراءات القانونيّة من قبل الموظفين في حال وجود أية اختلالات في عمل المؤسّسة وتقديم الوثائق والأوراق للجهات ذات العلاقة وبخاصّةٍ الرقابيّة منها، وذلك إعمالاً لمبدأ سيادة القانون وتأكيداً على دولة المؤسّسات التي تجري الأمور فيها وفق أسس وإجراءات واضحة بعيداً عن إثارة الفوضى أوالتأثير على سير المرفق العام. ومن ناحية أخرى فإنّ ذلك يتطلب بالمقابل إفصاحاً عن المعلومات وانسيابيّة وشفافيّة واضحة، بالإضافة إلى تفعيل آليّات الرقابة والمحاسبة حتى لا يضطر البعض إلى اللجوء لعمليّات تسريب الوثائق.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني