أكيد-شيرين الصَّغير وعُلا القارصلي -تحولت قضية تُعنى بالصَّالح العام وبالثقافة الانسانية للبشرية كافة، إلى موضوع سخرية وتهكُم على منصَّات التَّواصل الاجتماعي لساعات وصلت إلى 20 ساعة تتبعها مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، وتبين من خلالها غياب الرؤية النَّقدية عن وسائل إعلام رئيسية في مواجهة رأي عام مضلل ساد طيلة السَّاعات التي تمَّ رصدها في تفسير الآثار الفريدة التي تمَّ اكتشافها في البادية الجنوبية الشَّرقية الأردنية والتي أطلق عليها المكتشفون لها: الثَّقافة الغسانية.
ولاحظ (أكيد) أنَّ وسائل إعلام عديدة اهتمت بتغطية المؤتمر الصَّحفي الذي عقدته وزارة السّياحة والآثار العامة وأعلنت فيه الاكتشاف، ثم انسحبت هذه الوسائل وتسلَّمت وسائل التَّواصل الاجتماعي التَّغطية الصَّحفية للقضية والتي غَلَب عليها السُّخرية والتَّهكم وسط غياب إعلامي عن تفسير معنى "الكبسولة الأثرية" والتي استخدمت خلال المؤتمر الصَّحفي.
10 سنوات من البحث عن أثر فريد واجه 20 ساعة من السُّخرية والتَّضليل:
رافق مؤتمر الإعلان عن "اكتشاف أثري حالة من السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وصف عدد من مستخدميها الاكتشاف بأنه "سخيف ولا يحتاج لهذه الضجة الإعلامية"، وبخاصّة أنَّ الاكتشاف وُصِف بمصطلح متخصّص وهو "الكبسولة الزمنية"، الذي وضعه المستخدمون بسياق أثار جدلاً واسعًا.
وتابع (أكيد) المؤتمر الصحفي الذي عُقد في دائرة الآثار العامة، وتمَّ الإعلان من خلاله عن اكتشاف تماثيل مرفقة بمجموعة من المتحجرات التي وضعت في نفس المكان من قِبل أشخاص ضمن نشاط مرتبط بعمليه الصَّيد في البادية الأردنية.
صوت السِّياسيين والرَّسميين أعلى من البَّاحثين ومكتشفي الأثر الفريد:
واجه الإعلان عن الاكتشاف الأثري حملة قاسية من الاستهزاء والسُّخرية، التي رصدها (أكيد)، وحاول الوصول إلى مسبباتها من خلال تحليل المؤتمر الصحفي الذي ظهر للعلن، بالإضافة إلى المصطلحات التي تم استخدامها، ومحاولة العودة إلى مصادر مخولة وموثوقة لتحليل حالة الجدل التي دارت بعد الإعلان.
وتبيَّن ل(أكيد) أن جزءًا من الجدل جاء بسبب غياب المعلومات الكاملة، في الوقت الذي حضر فيه صوت المسؤولين وهم وزير السياحة ومدير الآثار والسفيرة الفرنسية، وضعف صوت الباحثين الذين تواجدوا بالجزء الأكبر كحضور، الأمر الذي لم يوفر الفهم الموضوعي للجمهور باعتبار الحديث كان سياسيًا وإنشائيًا أكثر من التعريف بالاكتشاف.
وسيلة إعلام وحيدة تُفسِّر الكبسولة بعد ساعتين ونصف:
بعد ساعتين ونصف من الإعلان عن الاكتشاف الأثري الذي استمر البحث عنه لمدة 10 سنوات في البادية الأردنية الجنوبية الشَّرقية، استضاف برنامج حواري الباحثين الذين أسهموا في اكتشاف الأثار القديمة وكان عنوان الحلقة: "اكتشاف أثري هام"، وأصرَّ مدير الحوار مذيع البرنامج بدايتها على توجيه السؤال للمختصِّين بالآثار والباحثين الذين شاركوا بعمليات التَّنقيب وكان السؤال هو: ماذا يعني كبسولة أثرية؟ ولماذا تمَّ استخدامها؟ وشو قصتها؟ وليش رحتم هناك للتنقيب عن الآثار؟.
الأسئلة التي وجهها المذيع هي التي كان جمهور المتلقين يبحث عن إجابات لها وتحولت إلى سخرية على مواقع التَّواصل الاجتماعي.
رأي خبراء بالآثار لـ(أكيد):
قالت الدكتورة نور العقيلي من قسم الإدارة السياحية في الجامعة الأردنية لـ (أكيد) إنَّ ما نسميه الآن كبسولة زمنية يختلف عنه قبل تسعة آلاف عام، ومن ناحية علمية تسمى كبسولة زمنية لأنها تحوي على مجموعة من البقايا والآثار تعود إلى تسعة آلاف عام، وأن النشاط البشري في ذلك الوقت رسالة من تلك الحضارات لطبيعة الحياة والممارسات الحياتية والاقتصادية والدينية وبكامل معطياتها.
وفي سؤال (أكيد) حول قيام الإعلام بتضخيم الاكتشاف قبل الإعلان عنه بالادعاء أنَّه سيغير مجرى السِّياحة في الأردن، أكدت العقيلي أنَّ الاكتشاف يتوافق مع مشروع "مملكة الزمن" الذي أطلقته وزارة السياحة والآثار، الأمر الذي يوفر تنوع في المنتج السياحي لجميع الحقبات التي مرت على المنطقة، ويقدم ميزة سياحية تنافسية للأردن عن غيرها من البلدان.
وقال الأستاذ الدكتور محمد بركات الطراونة أستاذ آثار العصور الحجرية في كلية البترا للسياحة والآثار في جامعة الحسين بن طلال، وهو أحد الباحثين الذين تواجدوا في المؤتمر وساهم في الاكتشاف، لـ"أكيد"، إن "مصطلح كبسولة زمنية لم يتم استخدامه من فريق البحث والخبراء، وإنما أطلقه مدير عام دائرة الآثار العامة وقصد به عدد كبير من القطع الأثرية موجودة في منطقة واحدة شبهها بالكبسولة.
وأضاف أن هذا المصطلح مطابق لما تم اكتشافه، باعتبار أن الكبسولة هي عدة قطع أثرية، وما تم اكتشافه تجاوز 250 قطعة، منها 150 مستحاثة بحرية لها أشكال حلزونية ومقاساتها من 5 – 30 سم.
وأشار أن هذا المصطلح تمت المبالغة به مجتمعيًا ولدى الجمهور، وبالتالي السخرية التي وصلت إلى حد الإهانة والتجريح بالأشخاص.
وأوضح أن هذه المنشأة موجودة وسط مخيم للصيادين واكتشفت للمرة الأولى ولم يتم اكتشاف مثل هذه المخيمات من قبل، وهي منشأة دينية عمرها 9 آلاف عام، وما يميزها هو عدد القطع الأثرية الموجودة فيها بالإضافة للقطع الأثرية المنصوبة التي تحتوي أشكال آدمية وهي أقرب للشكل الطبيعي، بالإضافة لأقدم مجسم معماري في العالم مبني من الحجارة وهذا المجسم يحوي جميع القطع داخله، مؤكدًا وجود أقدم مجسم معماري بالعالم وأقدم لوحة مرسومة لمصيدة، وأن والمصائد تعود لـ 9 آلاف عام؛ وهي 7 آلاف قبل الميلاد و2000 بعد الميلاد.
وأشار إلى أنَّ هذا الاكتشاف سيكون له دور كبير في تغيير دور الأردن السياحي، لأنَّ مخيمات الصيادين تعني ثقافة جديدة أطلق عليها الثقافة الغسانية نسبةً إلى تسمية محلية وثقافة هؤلاء الصيادين لم تكن معروفة مع العلم أنَّ هذه المصائد موجودة بالأردن باعداد كبيرة والسعودية وتركيا ولكن لم يكن يُعرف شئ عن حياة هؤلاء الصيادين.
ونوه إلى أنَّ الاكتشاف قدَّم لنا معلومات كثيرة عن هذا المجتمع وعن ممارساتهم الدينية، بالإضافة إلى أنَّ وجود عظام كثيرة للغزلان دليل على أنَّ هذه المصائد كانت تستخدم لاصطياد الغزلان، والأهمية العظيمة للسياحة هي أنه سيتم إعادة بناء هذه المنشأة كاملةً بجميع القطع الأثرية بموقع سيتم تحديده لاحقاً مع وزارة السياحة ودائرة الآثار العامة وستعرض للجميع.
وسائل الإعلام تعود بتغطية موسعة لتفسير معنى الكبسولة:
عادت وسائل الإعلام بعد انسحابها من مشهد التَّغطية وبدأت بنشر محتوى إخباريًا يعرِّف الجمهور بالاكتشاف الأثري واستضافت المختصين بعلم الآثار بالإضافة إلى الباحثين الذين شاركوا باكتشاف هذا الأثر وخصَّصت وسائل إعلام حلقات تلفزيونية كاملة وعبر الإذاعة والصُّحف المطبوعة والالكترونية لشرح الاكتشاف وإزالة الغموض الذي رافقه سخرية عبر منصَّات التَّواصل الاجتماعي.
ومن أبرز عناوين التَّغطية الصَّحفية لذلك:
على ماذا تحتوي الكبسولة الزمنية التي كشف الأردن غطاءها أمس؟
ما المقصود بالكبسولة الزمنية؟ خبير يجيب
المنشأة المكتشفة تحتوي على 250 قطعة أثرية
اكتشاف الجفر الأثري.. ماذا يعني للأردن ؟
رأي (أكيد) في التَّغطية الإعلامية للاكتشاف الأثري:
يرى (أكيد) بعد رصد هذه التَّغطية ما يلي:
أولًا: اهتمت وسائل الإعلام بالحدث في بدايته ثم انسحبت وهذا ما ترك الرأي العام يتسلم التَّغطية عبر منصّات التَّواصل الاجتماعي ويتحول إلى رأي عام مضلِّل.
ثانيًا: غابت عن وسائل الإعلام الرؤية النقدية في مواجهة رأي عام مضلل، فمن حق الإنسان المعرفة وهي المهمة الأساسية لوسائل الإعلام والتي يُفترض فيها الحرص الدائم عليه بصون المصداقية.
ثالثًا: واجه الاعلان عن الاكتشاف حملة قاسية من الاستهزاء والسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي.
رابعًا: طريقة الإعلان عن الاكتشاف لم تتمتع بالمهنية والانصاف إذ حضر صوت السِّياسيين وضعُف صوت الباحثين، الأمر الذي لم يوفر الفهم الموضوعي لجمهور المتلقين حيث كان حديث الرَّسميين سياسيًا وانشائيًا أكثر من التَّعريف بالاكتشاف.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني