أكيد- أنور الزيادات
تناول الإعلام المحلي والعربي بشكل موسع حزمة المساعدات الاقتصادية المقدمة للأردن من 3 دول خليجية عقب لقاء مكة الذي عقد في 11 حزيران 2018 ، الا أن غموضا وجدلا ثار حول قيمة تلك المساعدات البالغة 2.5 مليار دولار وألية توزيعها والأوجه المخصصة لإنفاقها، كما ظهر جليا على التغطيات ملامح التوجهات السياسية لوسائل إعلام، كما هو الحال تجاه مبادرة الحكومة القطرية لمساعدة الأردن التي أعلن عنها في 13 حزيران 2018.
ورغم أن البيان الصادر عن "قمة مكة" التي استضافتها السعودية لدعم الأردن، أشار الى أن المساعدات تتمثل في: وديعة في البنك المركزي الأردني لدعم احتياطي العملات الصعبة، وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن لتخفيض الفوائد وتقليل المخاطر، ودعم سنوي لميزانية الحكومة الأردنية لمدة خمس سنوات، وتمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية، الا انه لم يتم الإعلان عن قيمة الودائع والضمانات، وقيمة المساعدات المباشرة للموازنة والمشاريع الإنمائية، ولا مساهمة كل دولة في هذه المساعدات.
واللافت في متابعة وسائل الإعلام المحلية والعربية ممثلة بوكالات الأنباء ومؤسسات التلفزة والصحافة الورقية والالكترونية، أنها لم تتمكن من الحصول على الأرقام الدقيقة حول قيمة المساعدات المباشرة، وضمانات القروض.
كما حاول مرصد (أكيد) معرفة التفاصيل من خلال الاتصال مع هيئات دبلوماسية خليجية في عمان، الا أن مصدرا دبلوماسيا فضل عدم ذكر اسمه أشار الى أن "السفارات هي جهات تنفيذية، ولا معلومات لديها حول تفاصيل المساعدات بشكل دقيق وهذه المعلومات تصدر عن زعماء الدول المشاركة بقمة مكة".
ولم تُزل أيضا تصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الثلاثاء 19 حزيران في دار رئاسة الوزراء بحضور وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات، الغموض عن طبيعة وتفاصل المساعدات.
وقال الرزاز خلال الحديث عن المساعدات الخليجية في المؤتمر "يجب أن لا يعتقد البعض أن المبالغ التي أعلن عنها ستكون متاحة للإنفاق"، موضحا أن المؤشرات تشي بأن "المبالغ التي ستخصص لدعم الموازنة والمشاريع الاستثمارية والبنية التحتية ستكون محدودة وبمبالغ محددة من قيمة هذا المساعدات، لكن أيضا تلك التصريحات لم تحمل تفاصيل".
وطرح هذا الغموض في وسائل الإعلام ومنها مقال بعنوان: اين ستذهب المساعدات الخليجية للاردن ؟ وجاء فيه "لماذا لم يوضح البيان الذي صدر عن قمة مكة لمساعدة الأردن، فما نشر يحمل العديد من التساؤلات التي تحتاج الى توضيح مثل : كم حجم الوديعة التي ستوضع في البنك المركزي الاردني؟ كم قيمة الدعم السنوي لميزانية الحكومة الأردنية الذي تقرر لمدة 5 سنوات ؟ ما قيمة المبلغ المرصود من صناديق التنمية للدول الثلاث "لمشاريع انمائية"؟ ما الحصة التي ستدفعها كل دولة من الدول الثلاث من اجمالي المبلغ الذي تقرر للأردن؟".
وجاء في خاتمة المقال "من حق كل مواطن عربي ان يعرف كم تقدم من مساعدات لحكوماته من أشقائه العرب حتى يسأل عنها ، وحتى لا تصرفها وفق الأهواء والمصالح، فجميع البيانات لم تراعي الحق في المعرفة".
أربعة تصنيفات
حالة من الضبابيّة، تحيط بآليّة توزيع المساعدات الخليجيّة، التي تعهّدت المملكة العربيّة السعوديّة، الكويت، والإمارات العربيّة المتّحدة تقديمها إلى المملكة الأردنيّة في قمّة مكّة، لمساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصاديّة.
ويتضح من خلال متابعة بعض ما نشر في وسائل الإعلام ان هناك أربعة تصنيفات للمحتوى المنشور حول هذه المساعدات يؤشر الى ملامح التغطية والمحتوى الإعلامي، فالتصنيف الاول ارتبط بالإعلام المحلي الذي حمل في طياته موقف تثمين للقرار وابراز ايجابياته تحت عناوين منها، : المساعدات الخليجية.. أهداف معنوية ومادية ، ما هو اثر المساعدات القطرية والخليجية على الاردن؟ وخبراء : المساعدات الخليجية ..رسالة طمئنة للمواطن الاردني وإعلانُ مكة.. المساعدات الخليجية وتحديداً السعودية منها كانت تأتي في أوقات مفصلية في تاريخ الاقتصاد.
أما التصنيف الثاني فارتبط بوسائل إعلام الدول المقدمة للمساعدات وحمل تضخيما لإثر هذه المساعدات على الأردن، تحت عناوين منها ":النواب الأردني يثمن "قمة مكة": علاقاتنا بالخليج متجذرة، خبير: المساعدات الخليجية ستعزز الوضع النقدي بالأردن ، الصحف والوكالات العالمية تشيد بحزمة المساعدات الخليجية للأردن، قفزة في السندات الدولية للأردن مدعُومة بالُمساعدات الخليجية، السعودية والإمارات والكويت تقدّم مساعدات مالية لإنقاذ الأردن، المساعدات الخليجية تنعش عمان .. وسندات الأردن تقفز إلى أعلى مستوى.
وحاولت بعض وسائل الإعلام المناهضة، كتصنيف ثالث، تقزيم قيمة المساعدات، تحت عناوين منها، 2.5 مليار دولار للأردن... لماذا تدخّلت دول الخليج في هذا التوقيت؟ ، القمة الرباعية حول الاردن والمساعدات المشروطة ، ما الثمن الذي دفعه الأردن مقابل المساعدات الخليجية؟ ، قمة مكة تعلن بداية مرحلة المساعدات المشروطة للأردن، قمة مكة.. تمخض الجبل فولد فأرا المساعدات الخليجية للأردن أقل من التوقعات... جرعة قروض وضمانات، الخَوف من الأُردن ولَيس الخَوف عليه وراء انعقاد قِمّة مكّة الرُّباعيّة، الأردن وقمة مكة: “ضيافة” متواضعة.
الا أن هناك دائما صحافة تناقش القضايا بحيادية، لكنها في نفس الوقت لم تقدم معلومات وتجيب على أسئلة مطروحة، مكتفية بعرض وجهات النظر المختلفة، ومنها العناوين التالية مساعدات خليجية وأوروبية لإخراج الأردن من نفق الأزمة ،هل ينتعش الأردن بالمساعدات الخليجية؟، في صحف عربية: "لماذا نساعد الأردن؟" ، ما سرّ توقيت المساعدات الخليجيّة للأردن؟ ، كيف ستوزع حزمة المساعدات الخليجية داخل الاقتصاد الأردني؟.
الغموض انسحب أيضا على المساعدات القطرية حيث أن البيان القطري تحدث عن استثمار ٥٠٠ مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في الأردن، وتوفير ١٠ آلاف فرصة عمل في دولة قطر لشباب وشابات المملكة، ولم يتحدث عن أي منح مالية، بينما نقلت وسائل إعلام الأمر على أنه منحة.
وفي هذا الإطار، حملت عناوين مصطلحات وعبارات لا توصف بدقة المساعدات القطرية ومنها "قطر تمنح الاردن 500 مليون دولار وتوظف 10 الاف شاب اردني وقطر تقدم 500 مليون دولار و10 الاف فرصة عمل دعم للأردن، وقطر تدعم الأردن بـ 500 مليون دولار وتوفر 10 آلاف وظيفة للأردنيين.
عدم الدقة لم يكن حكرا على المواقع المحلية، فقد وقعت مواقع عربية بعدم الدقة ومنها 500 مليون دولار .. منحة قطرية للأردن في الوقت الذي تناولت بعض المواضيع هذا الخبر بشكل دقيق مثل "استثمار 500 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في الأردن".
ومن خلال الرصد يتضح أن صوت الصحافة المهنية كان هو الأضعف، حيث من المفترض ان تبحث الصحافة عن إجابات على الأسئلة الغامضة ولا تقع في شرك التفسيرات ذات الصبغة الايدلوجية أو الدعائية.
جمانة غنيمات: عند تحديد المبالغ لكل بند من المساعدات الخليجية سيتم الاعلان عن ذلك بوضوح ودقة
وقالت الناطقة باسم الحكومة ووزيرة الدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات لمرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" ، أن "المنحة القطرية واضحة وهي حزمة من الاستثمارات التي تستهدف مشروعات البنى التحتية بقيمة 500 مليون دولار أميركي، وتوفير عشرة آلاف فرصة عمل".
وتابعت "أما المساعدات التي أعلن عنها في قمة مكة من قبل السعودية والامارات والكويت فهي واضحة ولكن ليس كثيرا، فقد تم تحديد أربعة بنود، وديعة في البنك المركزي ، ضمانات للبنك الدولي ، دعم سنوي للميزانية وتمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية".
وبينت ل"أكيد"، أن "توزيع المبالغ بشكل دقيق لم يتم تحديده حتى اللحظة"، مشيرة الى أن "التنسيق مع الجهات الخليجية التي قدمت المساعدات مستمر، وعند تحديد المبالغ لكل بند، سيتم الاعلان عن ذلك بشكل واضح وبدقة، فالحكومة ستقدم معلومات واضحة للرأي العام".
حسام عايش: نفتقد للإعلام الاقتصادي المتخصص والموضوعي والكتابات إما معارضة أو مؤيدة
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لمرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، أن "الغموض قادم من المصدر، فقد تم تحديد أربعة بنود ، لكن لم يتم الحديث عن تفاصيل، فربما ترك الأمر للتباحث مع الحكومة الجديدة للاتفاق على التفاصيل".
وأضاف "في ذات الوقت نخشى وجود شروط، وأن يكون الجزء الأكبر من المساعدات فقط ضمانات للقروض ووديعة في البنك المركزي ، وتكون المساعدات المباشرة حوالي مليار دينار، موزعة على خمس سنوات، ويكون أثرها محدودا على الاقتصاد الوطني، وشعور المواطنين بأهميتها".
وأوضح عايش "دون معرفة القيمة الحقيقية لكل بند لا يمكن اتخاذ قرارات للاستفادة منها"، مضيفا "لم نسمع من المسؤولين الأردنيين سوى الإشادة وهذا يعني انه لا تفاصيل لديهم عن هذه المساعدات" .
وقال "الأصل في الإعلام المحلي الاهتمام بشكل أكبر بوجهة نظرنا نحن، فأي مساعدات في الوضع الاقتصادي الصعب حاليا مفيد لنا، أما الدول الأخرى فطرحها للمواضيع يوظف سياسيا ، من أجل خدمة سياساتها".
وأضاف "للأسف نحن نفتقد للإعلام الاقتصادي المتخصص والموضوعي، فالكثير من الكتابات حول الشأن الاقتصادي غير اقتصادية، وتكون وفق الموقف من الحكومة مؤيد أو معارض ليقع المتابع في حيرة بسبب المعلومات المتناقضة".
سلامة الدرعاوي: التضخيم أو التبخيس في المساعدات الخليجية في الإعلام هو توظيف سياسي
وتابع "من الاشكاليات في طرح المواضيع الاقتصادية ان الحكومات لا تقدم كامل المعلومات، فيبنى التحليل أحيانا على أمور افتراضية، وهنا لا تكون النتيجة غير دقيقة"، مشيرا الى أن الأرقام التي تعلن عنها الحكومات أحيانا لا تكون دقيقة، ويتم محاولة توظيفها لمصلحة الحكومة بعيدا عن الموضوعية".وقال رئيس تحرير صحيفة المقر الالكترونية والصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي سلامة الدرعاوي لـ(أكيد) إن "عدم تحديد المبالغ لكل بند لا يعتبر غموضا كون تحديد قيمة كل مبلغ يرتبط بنتائج اجتماعات اللجان الفنية التي تضم مقدمي المساعدات مع ممثلي الحكومة الاردنية ، ليصار بعد ذلك الى تحديد الأولويات".
وأشار الى أن "البنك المركزي لا يرغب بوجود وديعة كبيرة، كما أن المبالغ المخصصة للمشاريع تحتاج الى تقديم الطرف الأردني لحزمة من المشاريع وتحديدها للاتفاق عليها"، مرجحا أن "تتراوح الضمانات المقدمة للبنك الدولي من 500 مليون الى مليار دولار، فيما تكون قيمة الدعم السنوي للموازنة 200 مليون دولار على مدى خمس سنوات".
وحول تناول الإعلام لهذه المساعدات شدد الدرعاوي على أهمية المساعدات وأنها عنصر أساسي في الموازنة ولا يجوز التقليل منها، مشيرا الى أن كل ما يدخل الى الموازنة مهم.
وقال "المساعدات لها أهمية كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي حتى وأن كان مرحليا، كما أن له أثر واضح على الثقة بالاقتصاد الوطني"، ويوضح أن "الاردن لا يقف وحيدا في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية".
وأضاف الدرعاوي ان "تبخيس قيمة المساعدات أو تضخيمها من قبل بعض وسائل الإعلام يخالف الموضوعية ، كما أن "التضخيم أو التبخيس هي محاولة لتوظيف المساعدات سياسيا".
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني