عمَّان 9 كانون الثاني (أكيد)-سوسن أبو السُندس- عامٌ صعب .. حافلٌ بالأحداث المفصلية، طالت أبعاد المشهد المحلي والدولي، من حروب مشتعلة وأزمات إنسانية إلى قضايا اجتماعية متشابكة وملفات سياسية معقّدة، واجه الإعلام خلالها تحديًا كبيرًا لفك تشابك هذه القضايا وتقديمها لجمهور المتلقين برؤية واضحة ومبسّطة.
يستعرض مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) في هذا التقرير حصاد العام، ليكون بمثابة مرآة تعكس الواقع من خلال التغطيات الإعلامية المرافقة للقضايا التي شغلت الشارع الأردني، وبهدف معرفة مدى تأثير التغطيات الإعلامية على توجهات الرأي العام.
بانوراما (أكيد) لعام 2024 :
تناولت وسائل الإعلام قضايا مختلفة، من بينها ظاهرة التسوّل التي أصبحت مشهدًا اعتياديًا، إلا أن التغطيات الإعلامية ركّزت على عرض المشكلة دون تقديم حلول واضحة. من ناحية أخرى، جاء فيلم "الحِمل" ليسلط الضوء على مشكلة المخدّرات من خلال طرح درامي أثار النقاش وزاد الطلب على خدمات العلاج. وبرز موضوع الاستثمار في الذهب كفرصة ضائعة يسعى بعضهم لتعويضها، بينما تتجه الآمال نحو اكتشافات الغاز الطبيعي في حقل الريشة لتعزيز الموارد الوطنية. أما هجرة الأردنيّين، فبرزت كظاهرة متزايدة تعكس البحث عن فرص عمل أفضل في الخارج، ناهيك عن أزمة الحجاج الأردنيّين التي حظيت بتغطيات واسعة، لكنها لم تتعمّق في أسباب المشكلة.
تعرفة الكهرباء المرتفعة، شكّلت هي الأخرى محورًا بارزًا في التغطيات لا سيما مع تأثيرها على مالكي السيارات الكهربائية وزيادة تكاليف التشغيل. إلى جانب ذلك، تصدّرت قضايا أخرى أثارت حوارًا وطنيًا مترنحًا بين الإيجابيات والسلبيات مثل رفع الحد الأدنى للأجور، ومراجعة لائحة أجور الأطباء، وتحديث نظام الموارد البشرية.
في مجال التعليم، انقسمت الآراء حول مدى ملاءمة نظام التوجيهي الجديد لسوق العمل، وعادت أزمة المناهج إلى السطح بعد إدراج أغنية سميرة توفيق في مادة دراسية، ما فتح النقاش حول أولويات تطوير المحتوى التعليمي. أما قبول الطلبة الوافدين في الجامعات، فظل تحديًا في ظل السياسات المتغيرة التي أثّرت على فرص التسجيل، دون أن تقدم وسائل الإعلام تحليلًا معمقًا لهذه التحديات.
جهود توثيق التراث الأردني وإدراج مواقع جديدة على قائمة التراث العالمي، برزت على الصعيد الثقافي، إلا أن الإعلام لم يسلط الضوء بشكل كافٍ على المعوقات السياسية والمناخية، واكتفى بالتركيز على قلة التمويل المخصص لحماية المواقع الأثرية. في سياق آخر، أثار إدراج الأردن للمرة الأولى في مؤشر الذكاء الاصطناعي الانتباه، لكن غاب عن التغطيات الإعلامية تقديم تحليلات تعكس أبعاد هذا الإنجاز وآفاقه المستقبلية. كما حقّق الأردن تقدمًا ملموسًا في مؤشر الأمن السيبراني، ما يعكس تطور البنية الرقمية المحلية، ورغم أهمية هذا الإنجاز فلم يمنحه الإعلام الاهتمام اللازم مقارنة بالقضايا الأخرى.
الصحة من جهتها، شهدت قضايا بارزة مثل مرض x الذي أثار جدلًا عالميًا حول احتمالية تحولّه إلى جائحة، بينما لفت فيروس غرب النيل وجدري القرود الانتباه محليًا، حيث أظهرت التغطيات توازنًا ووعيًا صحيًا، لكنها افتقدت لرواية تأثير هذه الأمراض على الحياة اليومية.
في مجال الحريات وحقوق الإنسان، أظهر الأردن تقدمًا في الاستعراض الدولي الشامل، ما عكس التزامًا ملموسًا بتحسين أوضاع حقوق الإنسان رغم أن التغطيات الإعلامية لم تعكس هذا التطور.
الواقع السياسي شهد هو الآخر خلال العام تحديات بارزة، حيث لعبت الأحزاب دورًا محوريًا في منظومة التحديث السياسي معتمدةً بشكل كبير على جهودها الذاتية في ظل غياب دعم إعلامي يعزز من حضور برامجها وأهدافها. ومع انتهاء الانتخابات النيابية، جاءت تصريحات سمير الرفاعي، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لتؤكد على أن التجربة الحزبية الانتخابية الأولى، تشكل، رغم ما اعتراها من مظاهر قصور، تطورًا يمكن البناء عليه لتعزيز الأداء الحزبي وتطويره مستقبلًا.
في مجال العلاقات الخارجية، أثارت اتفاقية المياه مع إسرائيل جدلًا شعبيًا نتيجة التصريحات المتباينة حول استمرارها، ما فتح المجال للإعلام الخارجي لقيادة السرد الإعلامي. وفيما يتعلق بخطط إسرائيل التوسعية، ودلالات خريطة "إسرائيل الكبرى"، برزت قضية التهجير القسري والسيادة دون تناول إعلامي معمّق للجوانب الإنسانية والقانونية المرتبطة بها. وعلى صعيد الحدود الأردنية الإسرائيلية، ركزت تغطيات الإعلام على البعد الأمني للجدار الحدودي المنوي بناؤه إسرائيليًا، وأغفلت تداعياته السياسية على العلاقات الدولية، ما يعكس حاجةً إلى مقاربة إعلامية أكثر شمولًا لهذه القضايا المحورية.
أما في غزة، فقد كشفت الحرب الإسرائيلية عن مأساة مركبة شملت تدميرًا للتراث إلى حانب المساكن ومراكز الإيواء، وتهديدًا للأمن الغذائي والمائي، حيث يفتك الجوع بمن يقوى على العيش، والمياه لم تعد بنسبة 97 بالمئة صالحة للشرب إن توفرت، ودُمر أكثر من 50 موقعًا أثريًا. ومع ذلك، غابت التغطيات الإعلامية العميقة التي تسلط الضوء على تداعيات هذه الأزمات الإنسانية والبيئية.
دوليًا، ورغم تحقيق نصر دبلوماسي في الأمم المتحدة نحو إعلان دولة فلسطينية مستقلة، بقي ملف العدالة الدولية وإن تحرك إلى الأمام عالقًا مع غياب آليات التنفيذ، استمرار التعطيل في فتح تحقيقات جرائم الحرب.
وشكلت عودة الأسرى الأردنيين من سوريا حدثًا إنسانيًا بارزًا، حيث ركز الإعلام على معاناة العائدين، لكن بعض الوسائل الإعلامية وقعت في التسرع، مما أثار تساؤلات حول المهنية الصحفية في معالجة هذا النوع من القضايا.
نتائج تحليل الأداء الإعلامي لعام 2024:
-غياب الشمول في بعض تغطيات الإعلامية رغم الزخم الكبير للأحداث، فعلى سبيل المثال، ركزت التغطيات بالمجمل على القضايا السياسية الكبرى بينما غابت ملفات محورية مثل دور الأردن في المؤتمرات واللقاءات الدولية.
-ضعف التحليل العميق للقضايا، حيث اعتمدت على نقل الأخبار السريعة دون تحليل معمق في بعض القضايا كقضية الضمان الاجتماعي، إذ تم تداول معلومات مجتزأة حول دراسة إكتوارية للبنك الدولي، ما أساء تقديم السياق الحقيقي للتقرير الذي ربط القضية بالاقتصاد الوطني.
- افتقرت التغطيات الإعلامية للتوازن في قضايا مثل الحجاج والتسوّل، وأغفلت الأبعاد الإنسانية والاقتصادية لعودة اللاجئين السوريين، ما حال دون تقديم معالجة شاملة.
- افتقر الإعلام إلى قصص إنسانية معمقة، مكتفيًا بالبيانات الرسمية في قضايا مثل معاناة نساء غزة وأزمة السودان، ما أضعف التواصل مع الجمهور.
- ضعف التغطيات البيئية ظهر في غياب التحليل العلمي والربط العالمي لقضايا مثل التغير المناخي والأضرار البيئية، ما قلل الوعي بتداعياتها طويلة الأمد على الأمن الغذائي والمائي.
-ضعف التركيز على التغطيات الاستقصائية، وأدى ذلك إلى غياب الإجابة عن أسئلة حيوية، مثل مصادر تمويل الأحزاب.
-الفجوة بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، من حيث السرعة في تناول القضايا، وبدت وسائل الإعلام متأخرة قليلًا كما حدث مع الجدل بشأن المناهج الدراسية.
تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام في الأردن لعام 2024:
وسائل الإعلام تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام، حيث تسهم التغطيات الإيجابية في تعزيز النقاشات البنّاءة، بينما تؤدي التغطيات السلبية إلى تراجع الثقة في وسائل الإعلام. وفي هذا الإطار صمم (أكيد) عينة قصدية من التقارير الإعلامية المتخصصة التي أنتجها لعام 2024، شملت 65 تقريرًا معمقًا تناولت قضايا متنوعة ومهمة، وجرى تصنيف هذه التقارير وفقًا لمعيار التأثير المجتمعي، والذي اعتمد على الدقة، والشمول، والتوازن في الطرح حيث أن التقارير المهنية كانت الأكثر قدرة على تحقيق تأثير إيجابي في المجتمع.
أظهرت نتائج الرصد أن حوالي 41 بالمئة من التغطيات الإعلامية صُنفت بأنها ذات تأثير إيجابي على المجتمع، وتميزت بتفاعلها مع الجمهور وتنوعها، ومن الأمثلة على ذلك: دعم حملات مكافحة التسوّل عبر معالجات وبرامج توعوية عزّزت التفاعل المجتمعي، وزيادة الوعي الصحي بمبادرات للكشف المبكر عن الأمراض السارية، وتشجيع النقاش حول النظام الجديد للتوجيهي، ما أثر إيجابًا على النقاشات المجتمعية.
في المقابل، صُنفت نحو 59 بالمئة من التغطيات كمواد ذات تأثير سلبي لضعف تأثيرها على الجمهور، حيث تضمنت أمثلة بارزة مثل تناول مستقبل الضمان الاجتماعي بطريقة مجتزأة وغير دقيقة، بالإضافة إلى الإفراط في نشر الأخبار العاجلة ما تسبب في ضعف الثقة، واقتصرت تغطية ملف الطاقة على ارتفاع تعرفة الكهرباء دون تقديم حلول مبتكرة كدعم الطاقة المتجدّدة.
يشير(أكيد) إلى أداء متباين للإعلام الأردني في عام 2024، حيث برزت نقاط قوة في تعزيز النقاش المجتمعي حول قضايا هامة، إلا أن غياب العمق والتحليل في بعض التغطيات أضعف تأثيره في قضايا أخرى، ولتعزيز دوره في المستقبل، يبقى التحدي الأكبر في تبني نهج أكثر شمولًا واستقصائيةً، بما يسهم في تقديم محتوى يرتقي لتطلعات الجمهور ويحقق تأثيرًا إيجابيًا مستدامًا.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني