عمّان 25 كانون الثاني (أكيد)– شرين الصّغير- اتّجهت الأنظار عالمياً إلى مدينة لاهاي في هولندا، حيث استمعت محكمة العدل الدولية في جلستين يومي 11 و12 كانون الثاني الجاري، للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في 29 كانون الأول 2023. في قضية "الإبادة الجماعية" بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ورد إسرائيل عليها.
تتبّع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) الأخبار المحلية، كما تتبع الوسائل العربية والعالمية وتغطيتها لوقائع الجلستين، ليجد أن الإعلام المحلي قام بدوره في نقل الخبر، إلا أنه لاحظ أن هناك تساؤلات عديدة لدى الجمهور لم تجد توضيحًا كافيًا لها وعلى نطاق واسع، وبخاصة فيما يتعلق بالمسائل الآتية.
أولًا: مراحل عمل محكمة العدل الدولية فيما يخص الشكوى المرفوعة من جنوب إفريقيا باتّهام إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية: إن جوهر القضية التي تنظر فيها المحكمة، هي البتّ فيما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزّة أم لا. وبما أن هذا العملية تأخذ وقتًا طويلًا قد يمتدّ سنوات، فقد طالبت جنوب إفريقيا في مرافعتها أولًا باتّخاذ إجراءات احترازية عاجلة من منطلق عدم السماح لإسرائيل بارتكاب أعمال جديدة تُلحق بشعب غزة أضرارًا لا يمكن إصلاحها. وقد طالبت جنوب إفريقيا بتسع إجراءات مستعجلة، في مقدمتها أنه "يجب على دولة إسرائيل تعليق عملياتها العسكرية في غزّة وضدها على الفور.". [1]
وإذا ما قرّرت المحكمة إدانة إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية، تكون هناك مرحلة ثالثة تتمثل بطلب تعويض عن الأضرار التي لحقت بشعب غزّة جراء ذلك. غير أن هذه العملية تحتاج إلى مفاوضات بين الطرفين المعنيّين تحت إشراف محكمة العدل الدولية. [2]
ثانيًا: هل قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة؟ نعم، تُعدّ قرارات المحكمة نهائية، وملزمة، أي أنه يتعيّن على إسرائيل تنفيذها، كما أنها غير قابلة للطعن أو الاستئناف بأي شكل أو صورة من الصور. لكن يمكن في حالة إسرائيل أن لا تنصاع لقرار المحكمة بشأن الإجراءات المؤقتة المستعجلة التي يتعين عليها تنفيذها.
ثالثًا: ماذا يمكن أن تفعل محكمة العدل الدولية إذا ما أصدرت قرارًا يتعين على إسرائيل تنفيذه، ورفضت إسرائيل ذلك؟ في هذه الحالة، فإن المحكمة ترفع الأمر لمجلس الأمن لاتخاذ قرار بإلزام إسرائيل تطبيق القرار. غير أن المشكلة التي تواجه قرار المحكمة في هذه الحالة، هي لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام خق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الذي يتباه المجلس، ما يعطل اتّخاذ القرار. وعليه، سيقتصر الأثر المباشر لقرار المحكمة بشأن طلب اتّخاذ إجراءات احترازية عاحلة على الأثر المعنوي والسياسي والدبلوماسي لرفض إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة تنفيذ قرار المحكمة، لكن ذلك لا يمنع من استكمال المحكمة عملها الأساس للبت بدعوى اتّهام إسرائيل بالإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزّة. [3]
رابعًا: الأساس الذي يستند إليه قرار الاتّهام بالإبادة الجماعية: يستند القرار أساسًا إلى إثبات توفر النّيّة بالإبادة الجماعية، وليس على حجم الضحايا، لكن المحكمة تنظر في مختلف جوانب القضية، فملف الدعوى الذي قدمته جنوب إفريقيا يتألف من 84 صفحة. ويذكر أن جنوب إفريقيا وجدت "منجمًا" من التصريحات والأقوال المثبتة لشخوص من القيادة الإسرائيلية تشمل رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الجيش ووزراء آخرين، وكلها تعكس نوايا إسرائيل بالإقدام على إبادة جماعية للفلسطينيّين في غزّة.
خامسًا: إن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29 كانون الأول 2023، قد نجحت في وضع إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها في قفص الاتّهام، وذلك من خلال المدخل الذي وجدته جنوب إفريقيا في اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي هي وإسرائيل عضوان فيها. وتختلف هذه القضية عن تلك التي نظرت بها المحكمة العام 2004 في وضعية جدار الفصل العنصري الذي اقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في أن الأخيرة كانت تمثل رأيًا استشاريًا، ذلك أن تقديم آراء استشارية هو من اختصاص هذه المحكمة في المسائل التي تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة. وقرّرت المحكمة آنذاك أن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون الدولي، وطالبت (بأغلبية 14 ضد 1) من إسرائيل وقف بناء الجدار وهدم ما بُني منه ودفع تعويضات لكل المتضررين بمن فيهم القاطنون في القدس الشرقية وما حولها. [4]
سادسًا: الفرق بين محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية: تختلف محكمة العدل الدولية عن محكمة الجنايات في أنها تتعامل مع النزاعات بين الدول. وفي الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، فإنه يتعين أن تقرر المحكمة ما إذا كانت "الدولة" الإسرائيلية مسؤولة عن الإبادة الجماعية أم لا. وفي المقابل فإن محكمة الجنايات الدولية تنظر في القضايا التي تُرفع ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وعليه فإن أقصى ما يمكن أن تحكم به المحكمة، هو إنزال عقوبة الحبس بالشخص المُدان، وربما دفع مبلغ يرتبط بقدرته المالية كشخص، فيكون رمزيًا مهما بلغت قيمته، ما دام أن الأمر يتعلق بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. [5]
سابعًا: تشكيل محكمة العدل الدولية: تتشكل المحكمة من 15 عضوًا، ويحتاج صدور قرار عنها بإدانة إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية إلى أكثرية الحضور، وفي حالة تعادل الأصوات يُرجح القرار الذي يصوّت معه الرئيس أو من يحل محلّه في حالة غيابه. ويمثل أعضاء المحكمة مختلف القارات، ولا يجوز أن يكون هناك عضوان من دولة واحدة، علمًا بأن العضو لا يمثل حكومة بلاده، أي أنه يعدّ مستقلًا.
وتتكون المحكمة من القضاة التالية أسمائهم: جوان دونوهيو (الرئيسة، الولايات المتحدة الأمريكية)، كرييل غيفورغيان (نائب الرئيس، روسيا)، بيتر تومكا (سلوفاكيا)، روني أبراهام (فرنسا)، محمد بنونة (المغرب)، عبد القوي أحمد يوسف (الصومال)، شيويه هانكين (الصين)، جوليا سيبوتيندا (أوغندا)، دلفير بهانداري (الهند)، باتريك ليبتون روبنسون (جامايكا)، نواف سلام (لبنان)، إواساوا يوجي (اليابان)، جورج نولتي (ألمانيا)، هيلاري تشارلزوورث (أستراليا)، ليوناردو نيمر كالديرا برانت (البرازيل). [6]
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني