غزّة  خلف الأضواء... التحديات الإعلامية والقصص غير المرويّة

غزّة خلف الأضواء... التحديات الإعلامية والقصص غير المرويّة

  • 2024-10-06
  • 12

عمان 6 تشرين الأول (أكيد)- سوسن أبو السندس- مرّ عام على الحرب الظالمة على غزّة، ولم تقتصر أحداثها على تصدر العناوين، بل أصبحت قصة إنسانية عميقة، ترويها أقلام صحفية تسعى لإنصافها، وتنقل الحقيقة بكل أبعادها وتعقيداتها وآلامها. ورغم أن الصحافة تقوم في جوهرها على رواية الأخبار والقصص، إلا أن قصة غزّة تجاوزت الكلمات، حيث سطرها بعض الصحفيّين الشهداء بدمائهم، لتبقى شاهدًا على معاناة مستمرة لا يمحوها الزمن.

أنتج مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) أكثر من مئة تقرير حول غزّة، لم يقتصر فيها على توثيق الأحداث فحسب، بل تعمق في رصد تفاعل الإعلام المحلي والدولي مع مجريات الأحداث، إلى  جانب تفكيك السرديات المغلوطة، والتأكيد على الحقائق والمعلومات التي هُمّشت أو غُيّبت.

وخلص رصد (أكيد) خلال عام من العدوان على غزّة إلى نتائج أبرزها الآتي:

شاب أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)  الكثير من  التّضليل والمبالغات

فقد كُشف عن حالات عديدة، مارست فيها وسائل إعلام دولية تضليلًا للرأي العام العالمي، إما من خلال المبالغة في عرض الوقائع أو باستخدام معلومات مضلّلة، ومن أبرز هذه الأمثلة تضخيم أعداد الضحايا الإسرائيليّين أو استخدام صور ومقاطع فيديو من أحداث سابقة ونسبها زورًا إلى ما يحدث في الأراضي المحتلة، هذا النوع من التضليل لا يسهم فقط في تشويه الواقع، بل يهدف إلى توجيه الرأي العام نحو سردية معينة تخدم أجندات سياسية محددة.

أشار (أكيد) في تقاريره إلى أن هذه الممارسات الإعلامية غير مهنية، وسلّط الضوء على أهمية التحقّق من المعلومات قبل نشرها، والالتزام بالموضوعية، وتجنّب الانجراف وراء الأجندات الموجهة، وذلك لضمان تقديم صورة حقيقية ومتوازنة للأحداث.

ازدواجية المعايير في الإعلام الغربي وتبني السرديات الإسرائيلية في تغطية أحداث غزّة

تناول (أكيد) في عدة تقارير ازدواجية المعايير التي يتبعها الإعلام الغربي في تغطية الأحداث التي شهدتها غزّة، حيث تبنّت تلك التقارير السرديات الإسرائيلية، والترويج للرواية الإسرائيلية مرّة بعد أخرى، مع إغفال الانتهاكات والجرائم التي تعرّض لها الفلسطينيّون، ما يعكس تحيزًا واضحًا في التغطية الإعلامية.

وأوضحت التقارير التي أنتجها (أكيد)  أن الإعلام الغربي يطبق معايير مزدوجة عند تغطيته لأحداث أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، حيث يُظهر تعاطفًا أكبر مع الضحايا المدنيّين هناك، بينما يُصوّر الفلسطينيون، خاصة في غزّة، من خلال عدسة أمنية بحتة يتم التركيز فيها على العمليات العسكرية، والاستراتيجيات، والتحليلات الأمنية، ويغيب البعد الإنساني بشكل ملحوظ، هذه الازدواجية تعزز من تأثير البروباغندا الإسرائيلية التي تسعى إلى تصوير الأحداث وفقًا لمصالحها، ما يؤدي إلى تضليل الجمهور الغربي حول حقيقة ما يجري على الأرض.

 التركيز الإعلامي على أعداد الشهداء والجرحى على حساب القصص الإنسانية

من خلال رصد (أكيد)، تبين أن العديد من التغطيات الإعلامية المحلية والإقليمية المتعلقة بأحداث غزّة تركز على أعداد الشهداء والجرحى، متجاهلة إلى حد كبير الجوانب الإنسانية التي تعكس المعاناة اليومية للفلسطينيّين، هذا النمط من التغطية الإعلامية يؤدي إلى تصوير الصراع بصورة مجزأة، حيث تغيب القصص الإنسانية التي تلقي الضوء على معاناة المدنيّين، وبخاصة الأطفال والنساء وكبار السن، وتأثيرات الحرب على حياتهم اليومية.

في هذا السياق، لا بد من  تحقيق التوازن في التغطية الإعلامية، بحيث تجمع بين سرد البيانات والأرقام وبين عرض القصص الإنسانية، لتقديم صورة شاملة وواقعية لما يحدث على الأرض، وتسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية للصراع بشكل يعزّز من وعي الجمهور، ويعكس حقيقة الأوضاع في غزّة.

فالأرقام وحدها لا تروي قصة عائلة فقدت منزلها، وفقدت معه الماء  والطعام، أو أطفالًا أصبحوا أيتامًا يبحثون عن الأمان تحت القصف.

التضليل في الصور والفيديوهات

وجدير بالإشارة إلى جوانب رصدها (أكيد)، وتشتمل على استخدام الصور والفيديوهات بطريقة مضلّلة، حيث يتمّ اللجوء إلى صور قديمة أو ملتقطة في مناطق حروب مختلفة لتمثيل أحداث غزّة. ويشير (أكيد) إلى أن التضليل لا يخدم القضية، بل يجب على وسائل الإعلام تحري الدقة في استخدام المحتوى البصري، مع ضرورة التحقق من مصادر الصور والفيديوهات قبل نشرها لضمان عدم الإسهام في تضليل الجمهور.

الخاسر الأكبر هم الأطفال وتعليمهم

كان لأطفال غزّة نصيب في تحليلات (أكيد)، حيث جرى إبراز معاناة أطفال غزّة، في ما يتعلق بحقهم الأساسي في التعليم، فكيف يمكن لمجتمع أن يسعى لبناء مستقبل مستدام، بينما يظل أطفاله محرومين من تعليمهم الأساسي؟

لم تحظَ قضية التعليم بالتغطية الإعلامية الكافية، والتي كان يجب أن تتصدر المناقشات، فالتركيز على الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة القصف ويواجهون تعطيل تعليمهم، يجب أن تكون أولوية للإعلام للفت الانتباه إلى التأثيرات طويلة الأمد.

صمود المرأة في الظل

 لفت (أكيد) النظر  إلى الدور الكبير لنساء غزّة، والذي لم يأخذ نصيبه الكافي من التغطية الإعلامية أيضًا، حيث تظهر المرأة الغزية صمودًا لافتًا، بمواجهة التحديات اليومية بشجاعة استثنائية رغم تعرضها للنزوح، وفقدان المنازل، والعيش في ظروف قاسية، وتستمر في دورها كعمود فقري للأسرة، بما في ذلك مواجهة تحديات النظام الصحي المنهار والظروف الاقتصادية المتردية، للحفاظ على النسيج الاجتماعي والثقافي لغزّة رغم كل الصعاب.

وسائل التواصل الاجتماعي القوة الناعمة في التغطية

في عصر الإعلام الرقمي، لعب سكان غزّة دورًا محوريًا في جذب انتباه الإعلام التقليدي إلى القصص الإنسانية عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال أصواتهم إلى العالم، فقدموا مقاطع مصوّرة حيّة وشهادات مباشرة، ممثلين بذلك صوتًا حقيقيًا من قلب الأحداث، ما يبرز الحاجة لتعزيز التعاون بين الإعلام التقليدي وبين رواد منصات التواصل الاجتماعي  لتقديم صورة أدق وأكثر شمولية عن الواقع في غزّة.

تداعيات حرب غزّة على إسرائيل

كما أظهر رصد (أكيد) الآثار العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية على إسرائيل، فقد كانت الثقة في جيش الاحتلال حجر الأساس للأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن الحال لم تبق كما هي عليه بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد سبّبت الحرب انكماشًا اقتصاديًّا ملحوظًا، وأدت إلى تخفيض التصنيف الائتماني، ما زاد من صعوبات التمويل الدولي، ناهيك عن الأثر الاجتماعي، إذ تزايدت حالات النزوح والهجرة،  وهو ما يعكس تزايد الشعور بعدم الأمان بين الإسرائيليّين.

لم تنته الحكاية

خلص (أكيد) إلى أن حكاية غزة، كما ترويها وسائل الإعلام، هي قصة مليئة بالتحديات، إلا أن هناك دائمًا مساحات غائبة تحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل، وفي هذا السياق لا بد من تعزيز المعايير الصحفية، والالتزام بأعلى مستويات المهنية لضمان تقديم رواية متوازنة تعكس بدقة آلام وآمال الشعب الفلسطيني.

 وبينما لم ينته العام بعد، فُتح جرح جديد في مناطق عدة من لبنان، ما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى السياق الإقليمي الذي يتطلب اهتمامًا إعلاميًا متجددًا ومعمقًا.