عمَّان 8 كانون الثاني (أكيد)-سوسن أبو السُندس- في الوقت الذي نشرت فيه حسابات إسرائيلية خرائط تعيد ترتيب الأمور الجيوسياسية في المنطقة، لم يكن أحد يتوقع أن "البندورة" ستكون الحدث الأبرز الذي يتصدر العناوين ويشعل الجدل عبر منصات التواصل الإجتماعي، فما بدأ كشهادة شخصية في لقاء تلفزيوني، تحوّل إلى قضية رأي عام أثارت نقاشات حادة حول الهوية والتنوع الثقافي.
تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) اللقاء المتلفز الذي استضاف سيدة أرمنية الأصل تتحدث عن تجربة جدّها في زراعة البندورة في الأردن بعد عام 1948، واستعرضت السيدة ذكريات طفولتها وتجربة جدّها الزراعية بكلمات عفوية ولغة بسيطة، إلا أن الطريقة التي عُرض بها اللقاء فتحت الباب واسعًا أمام تأويلات خاطئة ما لبثت أن تحوّلت إلى جدل اجتماعي واسع النطاق.
تصاعدت ردود الفعل السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لافت، إذ ما كان يمكن أن يبقى كقصة شخصية عن ذكريات فردية تحوّل إلى موضوع جدلي، وتعرضت السيدة لحملة واسعة من التنمّر وخطاب الكراهية.
وما زاد في تعقيد الموقف، هو الطريقة التي عُرض بها الحوار في التقرير المتلفز، ما أدّى إلى تشويه السياق الحقيقي للرواية، وأدى إلى تأجيج ردود الأفعال السلبية. وفي ما طلبت السيّدة من البرنامج تعديل اللقاء لتوضيح الحقائق، إلا أن هذا الطلب لم يلقَ استجابة، وهو ما أثار تساؤلات عن مدى التزام القناة بالمعايير المهنية.
وفي حديث لاحق مع إذاعة "حُسنى" في الساعة الثانية والربع من عرض البرنامج، أوضحت السيدة أن ما جرى في اللقاء قد أُخرج عن سياقه، حيث ذكرت أن فريق إعداد البرنامج أخبرها بأن الأسئلة ستكون بسيطة، لكنها فوجئت بأسئلة قادت إلى سوء الفهم، وأكّدت أنها طلبت من القائمين على البرنامج عدم عرض اللقاء أو تعديله لتوضيح المقصود، لكن طلبها لم يُستجب له، وأضافت أن الطريقة التي عرض بها اللقاء لم تكن منصفة، وأنها مستعدة لتصحيح أي التباسات، وفي هذا السياق، يُحفظ للقناة حق الرد لتوضيح موقفها إذا رغبت بذلك.[1]
ويرى (أكيد) أن التقرير كان يمكن أن يُبرز إسهامات الأرمن في تعميق التعدّد الاجتماعي والثقافي الأردني، بما في ذلك دورهم في الزراعة والتجارة والتصوير والمجالات الأخرى، لكن بدلًا من ذلك، ركّز التقرير على جزئية خاصة، ما أثار انقسامات، وأعاد إنتاج خطاب هويّاتي حاد، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى تعزيز التفاهم والاحتفاء بالتنوع.
لم يقف الموضوع عند حدود الجدل الثقافي والاجتماعي، بل امتد إلى إثارة فضول الجمهور الذي بدأ يبحث بشكل مكثف في تاريخ البندورة في الأردن ومتى بدأت زراعتها فعلياً، ولاحظ (أكيد) انتشار قصص متفرقة من مختلف مناطق الأردن، حيث استعرض البعض ذكرياتهم أو قصص أجدادهم المرتبطة بزراعة البندورة، الأمر الذي يشير إلى أن لكل شخص روايته الخاصة التي تُسهم في تشكيل الصورة الكاملة لتاريخ هذا المنتج الزراعي، وأن مثل هذه القضايا قد تصبح فرصة لتعزيز المعرفة التاريخية والاجتماعية.
ويشير (أكيد) إلى وجوب الالتزام بمعايير الحياد وتقديم القصص في سياقها الكامل، مع تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية التي تعزز التفاهم المجتمعي، ولا ينبغي أن تتحول القصص الإنسانية إلى أدوات تثير التفرقة المجتمعية أو لحصد أعداد مشاهدات عالية.
كما أن خطاب الكراهية والتنمّر الذي رافق هذه القضية، يسلّط الضوء على الحاجة الملحة لحملات توعية على وسائل التواصل الاجتماعي، تُفرّق بين النقد البناء وبين التعابير التي تهدًد السلم المجتمعي، كما أن الاستجابة لطلبات التصحيح من الضيوف تمثل حجر الزاوية لضمان الشفافية والمصداقية في العمل الإعلامي، الأمر الذي جرى إغفاله.
ويذكّر ( أكيد) بأهمية أخلاقيات الإعلام ودوره في بناء وعي مجتمعي يعزّز التفاهم والانسجام بدلًا من تأجيج الخلافات، وأن القصص الإنسانية لم تكن يوما مجرد شهادة شخصية، بل هي نافذة على تاريخ ثريّ وتنوّع ثقافيّ يستحق التقدير والاحتفاء به.
وعطفًا على موضوع الخرائط الإسرائيلية، فقد تناول (أكيد) هذه القضية في وقت سابق وأثرها على السيادة الوطنية، مؤكّدًا أهمية الإعلام المسؤول في مواجهة التحديات الجيوسياسية بنزاهة ومهنية.[2]
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني