عمّان 1 آذار (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- هل حسمتَ رأيك بشأن أسطوانات الغاز البلاستيكيّة؟ قد يبدو القرار بسيطًا، إلا أنه اختبار لما نعرفه فعلًا عن الإسطوانات الحديثة، وهنا يبرز دور الإعلام في ضمان حق الناس في معرفة دقيقة ومتوازنة، فهل أدّت وسائل الإعلام دورها كما يجب، أم أنّ ما وصَلَنا كان مجرد أجزاء متفرقة من معلومات مشوّشة بتفسيرات متناقضة؟
تتبع مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني (أكيد) تغطية ملف إسطوانات الغاز البلاستيكيّة، ولاحظ تحولًا واضحًا في التّغطية الإعلاميّة مقارنة بالمراحل السابقة من النقاش، حيث انتقل الإعلام من مرحلة الجدل حول السّماح بإدخال هذه الأسطوانات إلى تحليل تفاصيل تطبيقها الفعليّ، ما دفع بعض الوسائل إلى تقديم تغطيات مفصّلة من حيث المواصفات الفنيّة والفحوصات المخبريّة التي خضعت لها.
أما بالنسبة للتّصريحات الرسميّة، فقد لعبت دورًا محوريًا في تشكيل السردية الإعلامية، إذ ظهرت تقارير تؤكد أن الأسطوانات اجتازت عدة اختبارات فنيّة، شملت اختبارات الانفجار، والضغط، ومقاومة الحرارة.، كما استندت بعض التّغطيات إلى تجارب دول ومناطق أخرى، مثل السعوديّة وأوروبا، لتأكيد مأمونيتها. [4] [3] [2] [1]
شهدت التّغطية الإعلاميّة تنوعًا في المصادر، حيث نقلت وسائل الإعلام تصريحات شركة مصفاة البترول الأردنيّة التي أكّدت عدم علاقتها بالأسطوانات البلاستيكيّة، بينما نفت نقابة المحروقات الإشاعات حول رفضها لهذه الأسطوانات، وقدّمت هيئة تنظيم قطاع الطّاقة والمعادن تأكيدات بشأن معايير السّلامة والمواصفات، في حين أوضحت مؤسّسة المواصفات والمقاييس تفاصيل الفحوصات واعتماد القاعدة الفنيّة.
خبراء في قطاع الطاقة، أدلوا برأيهم حول الفروقات بين الأسطوانات المعدنيّة والبلاستيكيّة، وطرح مواطنون ونوّاب مخاوفهم بشأن مستقبل الأسطوانات الحديديّة، لكن على الرغم من هذا التّنوّع، إلّا أنّ التّغطية افتقرت إلى مقابلات معمّقة مع خبراء مستقلّين أو استعراض دراسات دوليّة مفصّلة، أو تقارير استقصائيّة تبحث في جميع أبعاد الملف، فعلى سبيل المثال لم يُجْر الإعلام تحقيقات مستقلة تكشف عن الشّركات المستوردة لهذه الأسطوانات، أو ما إذا كان المستهلك سيواجه تكاليف اقتصاديّة غير متوقّعة مثل الحاجة إلى شراء "منظّمات غاز" جديدة متوافقة معها. [7] [6] [5] [8]
ورغم محاولة التّغطية الإعلاميّة لتحقيق التّوازن من خلال عرض وجهات النظر المختلفة، إلّا أنّه شابها عدد من القصورات المهنيّة، إذ برزت تقارير تُروّج لمزايا الأسطوانات البلاستيكيّة دون التّطرق بشكل عميق للمخاطر المحتملة، مثل تأثيرها في حال حدوث تسريب غاز أو اشتعال، ومدى قدرة الدّفاع المدني على التّعامل مع سيناريوهات الطوارئ المرتبطة بها. وقُدّمت آراء متباينة حول الأمان والانفجار، فعلى سبيل المثال، أكد الخبير هاشم عقل أن الأسطوانات البلاستيكيّة أكثر أمانًا، في حين أشارت تقارير أخرى إلى أنها تنفجر أسرع من الأسطوانات الحديديّة.[9] [10]
وبمقارنة التّغطية الحديثة بما كان عليه الحال في عام 2022، حيث أنتج (أكيد) تقريرًا مفصلًا عن التّغطية الإعلاميّة آنذاك، يظهر اختلاف جوهري في طبيعة التّناول الإعلامي، حيث هيمنت العناوين المثيرة على المشهد الإعلامي، وركّزت التّقارير على التّخويف وإثارة الجدل حول مأمونيّة الأسطوانات البلاستيكيّة. وتصدّرت نقابة المحروقات وجمعيّة حماية المستهلك المشهد الإعلامي في ذلك الوقت بمواقف معارضة، وتمحورت معظم التّغطيات في تلك الفترة حول المخاطر المحتملة دون عرض دقيق للمواصفات الفنيّة أو إجراء مقارنات علميّة دقيقة بين الأسطوانات الحديديّة والبلاستيكيّة. [11]
وعلى ذلك يمكن القول إن المشهد الإعلامي قد انتقل من حالة التّخويف إلى حالة أكثر تحليلاً لكنها غير مكتملة، إذ بينما تحسّنت دقّة المعلومات المقدّمة، إلّا أنّ غياب التحقيقات الاستقصائيّة حول الجهات المستفيدة من القرار وتداعياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة، يبقي العديد من الأسئلة مطروحة دون إجابات شافية، وعليه فإن الإعلام مطالب بتقديم صورة متكاملة تتيح للمتلقي تكوين موقف يستند إلى معلومات دقيقة، بدلًا من الاعتماد على التّصريحات الرّسميّة وحدها، أو السرديات التي تحمل أبعادًا ترويجيّة.
ويشير (أكيد) إلى جانب آخر لم يحظَ بالاهتمام الإعلامي الكافي، وهو البعد النفسي والاجتماعي لهذا التّحول، حيث كانت الأسطوانات الحديديّة لأجيال متعاقبة جزءًا من تفاصيل الحياة اليوميّة في المنازل الأردنيّة، هذا الاعتياد ليس مجرد مسألة استخدام، بل يرتبط بالثّقة المتراكمة عبر الزمن في متانة الأسطوانات المعدنيّة وسلامتها. وبينما تتجه الأسواق نحو التّغيير، يبقى السؤال الأهم: هل هذا التّحول مدفوع بالمعلومات الدقيقة أم أنه مجرد صراع بين الاعتياد والنستولوجيا؟
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني