عمّان 13 نيسان (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على واردات عدد كبير من دول العالم من بينها الأردن كجزء مما سُمي تعرفات يوم التحرير بهدف المعاملة بالمثل مع الدول التي تضع قيودًا أو ضرائب على المنتجات الأمريكية.
الإعلام المحلي شأنه شأن جميع وسائل الإعلام العالمية، تناولت الحدث بشكل واسع مقدمًا تغطية شاملة للجوانب الخبرية والتحليلية على حد سواء، وتوالت التّحليلات والتقديرات، وتفاعلت غرف الصناعة والتجارة، قي ما تحدث المحلّلون عن أضرار متوقعة، وتحديات تجارية كبرى.
لكن ما إن بدأ الرأي العام والوسط الاقتصادي في استيعاب حجم القرار، حتى انتشرت إشاعات عن "تجميد مؤقت" للرسوم أو إلغائها، وبعد أقل من 48 ساعة، أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعليق القرار لمدة 90 يومًا لمعظم الدول باستثناء الصين التي فُرضت عليها رسوم تصل إلى 125بالمئة في خطوة يمكن اعتبارها مناورة سياسية وتفاوضية أكثر مما تكون بحدّ ذاتها قرارًا نهائيًا.
كل هذه التّحولات التي حلّت في مساحة زمنية ضيقة، أطلقت موجة من التغطيات والإشاعات والقراءات المتضاربة. وحتى لحظة كتابة التقرير، ما زالت الصّورة غير محسومة تمامًا. [2][1]
وفي هذا السياق، أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدًا تحليليًا لتغطية الإعلام المحلي لقضية الجمارك الأمريكية بالاستناد إلى عدة محاور رئيسة تُمثّل الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية. وبتحليل محتوى 20 وسيلة إعلامية محلية في الفترة ما بين الثاني إلى التاسع من نيسان، برزت مقالات الرأي في محتوى لافت ومهم.
اتّفاقية التّجارة الحرّة
وجاء في نتيجة الرصد أن أكثر المحاور تداولًا في التغطية الإعلامية، كان اتفاقية التجارة الحرة الأردنية– الأمريكية بنسبة بلغت نحو 20 بالمئة من عيّنة الرصد، حيث ركّزت بعض التحليلات على التساؤل حول مدى التزام الولايات المتحدة ببنود الاتّفاقية بين البلدين، والتي تعفي صادرات المناطق الصّناعية المعروفة باسم QIZ من الرسوم الجمركية بشروط معيّنة، وبناء على مبدأ المعاملة بالمثل، تجاوزت الإدارة الأمريكية بنود الاتّفاقية رغم أنها لم تلغَ رسميًا، إلا أن المعالجة الإعلامية لم تشر إلى الخيارات المتاحة أمام الأردن في حال أراد طلب مراجعة الاتّفاقية من النواحي القانونية.[3]
الرسوم والضرائب الأردنية
فيما تناولت 20 بالمئة من التغطيات الإعلامية موضوع المعاملة بالمثل والضرائب التي يفرضها الأردن على السلع المستوردة، حيث قارنت بعض الوسائل بين الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات المفروضة على المنتجات الأجنبية، وهي النقطة التي استندت إليها الولايات المتحدة لتبرير قرارها، بالقول إن السلع الأمريكية تخضع لما يصل إلى 40 بالمئة من الضرائب والرسوم، تشمل الجمارك، ضريبة المبيعات، ورسوم الطوابع، وردّت بفرض 20 بالمئة.
لكن بعض العناوين الإعلامية أخطأت في فهم هذه المعادلة، واعتبرت أن الولايات المتحدة فرضت نسبة 40 بالمئة كمعاملة بالمثل، وكأنها نسبة ضريبية موحّدة، وهذا أمر غير دقيق، إذ إن مبدأ المعاملة بالمثل في السياق التجاري الدولي يرتبط بالرسوم الجمركية فقط، ولا يشمل ضريبة المبيعات أو رسوم الطوابع، والتّي تُعد من مكونات النظام الضريبي الداخلي للأردن. ورغم أهمية هذا المحور، بقي الطّرح الإعلامي في معظمه سطحيًا، ولم يقدّم شرحًا لتركيبة النّظام الضّريبي الأردني.[4] [5]
الصادرات إلى الولايات المتّحدة
كما تناولت التغطية الإعلامية حجم الصادرات والمبيعات الأردنية إلى الولايات المتحدة بنسبة بلغت نحو 15 بالمئة من عينة الدراسة، حيث سُلط الضوء على بيانات غرفة صناعة الأردن، والتي أشارت إلى أن صادرات الألبسة وحدها تتجاوز 1.5 مليار دينار سنويًا، وأن الولايات المتحدة تمثل الشريك التجاري الأكبر للأردن من حيث الفائض التجاري، بواقع 877 مليون دينار.[6]
العمالة والقطاعات الصناعية
أما بالنسبة لمعيار العمالة والقطاعات الصناعية، فقد حظيت بتغطية بلغت هي الأخرى نحو 15بالمئة من العيّنة، وأشارت التغطيات إلى أن فرض الرسوم سيؤثر بشكل مباشر على قطاعات تشغيلية، مثل قطاع الألبسة والأدوية إضافة إلى قطاع الحلي والمجوهرات، في ما تبقى تغطية التأثيرات الاجتماعية لمآلات فرض الرسوم على العمالة المحلية محدودة.[7]
البحث عن أسواق أخرى
وحظي موضوع البحث عن أسواق أخرى بديلة نحو 15 بالمئة من التغطية، حيث طرحت بعض الوسائل فكرة تنويع الأسواق، لكنها لم تسلّط الضّوء على مدى جاهزية القطاعات الأردنية للولوج إلى أسواق جديدة، مثل أفريقيا أو أوروبا الشرقية، أو ما إذا كانت هناك استراتيجيات رسمية بديلة.[8]
تأثير الرّسوم الأمريكية على الدّينار
أمّا التغطية المتعلقة بتأثير القرار على الدينار الأردني، فقد حصلت على ما يقارب 10 بالمئة من حجم العيّنة، حيث تحدّثت بعض التغطيات عن احتمال تراجع تدفق الدّولار بسبب انخفاض الصّادرات، ما قد يضغط على استقرار الدينار، لكن لم يُوضح حجم التأثير المتوقّع، ولم يُربط ذلك بأرقام أو تأثيرات محتملة على الأسعار أو الاحتياطي النّقدي.[9]
واكتفت معظم الوسائل بنقل تصريحات مسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة، دون تتبّع ما إذا كانت هناك مسارات رسمية تفاوضية أو تحركات قانونية قيد البحث. وعلى ذلك بلغت نسبة التغطيات المتعلقة بردود الفعل الرسمية الأردنية نحو 5 بالمئة فقط.
منتدى الاستراتيجيّات
وفي سياق متصل، صدر مؤخرًا تقرير عن منتدى الاستراتيجيات الأردني بعنوان "تعزيز منعة الميزان التجاري الأردني في مواجهة خارطة التّجارة العالمية الجديدة"، قدّم من خلاله رؤية استراتيجية متكاملة للتعامل مع التحدّيات التّجارية المستجدّة، مشيرًا إلى ضرورة تنويع الأسواق التّصديرية، وتبنّي سياسات إحلال المستوردات، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية، إضافة إلى فهم أعمق لأثر الصّدمات التجارية على الميزان التجاري وسعر صرف الدّينار.[10]
ويُقصد بالميزان التّجاري الفرق بين قيمة ما يُصدّر إلى الخارج من سلع وخدمات وبين ما يتم استيراده. وفي الحالة الأردنية، هناك عجز مزمن في الميزان التجاري، كما أن الاعتماد بدرجة كبيرة على الاستيراد يشكّل ضغطًا على العملة المحلية وعلى الاحتياطي النّقدي.
ورغم أن هذه المحاور تمسّ جوهر الأزمة، إلا أنّها لم تحظَ بتغطية إعلامية، الأمر الذي يعكس الفجوة بين الخطاب الإعلامي والخطاب البحثي المتخصص، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة الإعلام الاقتصادي على تغطية الرؤى الاستراتيجية وتحويلها إلى نقاش عام يُسهم في إنتاج سياسات اقتصادية أكثر استجابة للمفاجآت الاقتصادية.
وفي نهاية المطاف، سواء كان الهدف من القرار الأمريكي مناورة سياسية تستهدف الضغط على الصين، أو جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة هيكلة خارطة التجارة العالمية عبر فرض صدمة جماعية ثم استثناء دول بعينها، فإن النتيجة واحدة ولا يمكن للأردن أن يكتفي بالمراقبة أو بردود الفعل اللّحظية، بل إن ما تفرضه المرحلة هو وجود أدوات إعلامية اقتصادية متخصصة، قادرة على قراءة الترابط بين الاقتصاد والسياسة، وتحليل السّياقات الأوسع لما وراء الخبر، وعدم الاكتفاء بنقل الأثر المباشر.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني