تفعيل المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة يثير غضب الاحتلال..وغياب إعلامي  عن بحث الأبعاد السياسية التي أثارت غضبهم

تفعيل المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة يثير غضب الاحتلال..وغياب إعلامي عن بحث الأبعاد السياسية التي أثارت غضبهم

  • 2023-12-24
  • 12

عمّان 22 كانون الأول (أكيد)- عُلا القارصلي- دفعت مشاهد القتل والمجازر البشعة اليومية في غزّة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إرسال خطاب إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه للمرة الأولى منذ توليه المنصب العام 2017 المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أنه "للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين." ووصف غوتيريش في خطابه المعاناة الإنسانية الهائلة في غزّة وانهيار النظام الإنساني فيها، وأثارت هذه الخطوة غضب مسؤولي الاحتلال. [1]  

إنّ تفعيل المادة (99) هو مجرد جرس إنذار، ما دام أنه لا يمكن لمجلس الأمن تبني قرار حاسم بوقف إطلاق النار في ظل الدّعم الأمريكي للعملية العسكرية الإسرائيلية. فلماذا أثار تفعيلها غضب قادة الكيان؟

ما أن أعلن غوتيريش تفعيل المادة (99) للفت انتباه مجلس الأمن إلى خطر الحرب على غزّة، حتى انشغلت وسائل الإعلام العربية والمحلية بشرح نص المادة، وبإجراء مراجعة تاريخية لعدد المرات التي جرى اللّجوء إلى تفعيلها.

في المرة الأولى، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد في 13 تموز 1960 رسالة إلى مجلس الأمن طلب فيها عقد اجتماع شامل له بشأن الكونغو، ولم يُشر للمادة (99)، لكنه استخدم لغتها بقوله: "يجب أن ألفت انتباه مجلس الأمن إلى مسألة، في رأيي، قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".

وكانت المرة الثانية التي استُخدمت فيها المادة (99) هي في 25 تشرين الثاني العام 1979، حيث كتب الأمين العام كورت فالدهايم وقتها إلى رئيس مجلس الأمن للفت الانتباه إلى خطر استمرار أزمة رهائن السّفارة الأمريكية في طهران.

وفي العام 1989، انطلق الأمين العام للأمم المتّحدة خافيير بيريز دي كوييار في دعوته لانعقاد مجلس الأمن من تقديره بأن أزمة لبنان كانت تشكل آنذاك تهديدًا للسلم والأمن الدّوليّين، وكانت هذه هي المرة الثّالثة لاستخدام المادة  (99).

أما المرة الرابعة والأخيرة التي جرى فيها تفعيل المادة (99)، فهي الحرب الإسرائيلية على غزّة، حيث اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أنها تشكل تهديدًا للأمن والسّلم الدوليّين، وكان قد أطلق تصريحات قوية حول صعوبة الوضع الإنساني في غزّة، فأشار إلى عدم وجود مكان آمن في غزة، وإلى عدم وجود حماية فعّالة للمدنيّين. وتحدث أيضًا عن انهيار نظام الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك. [2]

نجحت وسائل الإعلام بالمراجعة التاريخية لعدد المرات التي جرى اللجوء فيها إلى تفعيل المادة (99)، لكنّها لم تذكر أن حق إصدار تحذير بشأن مسألة ما لم تكن مدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن، لأن هذا الحق كان يمنح في السابق للدول فقط. وجدير بالذّكر أنه مع قرب نهاية الحرب العالمية الثّانية في حزيران العام 1945، قرر المفاوضون من خمسين دولة الذين اجتمعوا في سان فرانسيسكو لإعداد ميثاق الأمم المتحدة أن يُدرج فيه بند جديد يمنح حقًا جديدًا للأمين العام للأمم المتحدة، الذي لا ينبغي أن يكون مسؤولًا أمام أي دولة على وجه الخصوص ولكن أمام المنظمة ككل. [3]  

ولاحظ مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) عدم بحث وسائل الإعلام في الأبعاد السياسية المهمّة لتفعيل المادة (99) التي يمكن من خلالها فهم سبب غضب قادة الكيان الصهيوني، وبخاصة الآتي:

  1. فيما يتعلق بالأمين العام غوتيريش، فإن تفعيل هذه المادة هي بمثابة تبرئة لنفسه، لأنه إن لم يتخذ موقفًا واضحًا لوقف الحرب على غزّة، فسيشكّل ذلك نقطة سوداء في سجّله، وفي سجل مؤسسته، لذلك بإمكانه أن يريح ضميره المهني والإنساني بتفعيل هذه المادّة ضمن الصلاحيات التي يمنحه إياها ميثاق الأمم المتحدة.
  2. إن استخدام هذه المادة له مفعول تحميل مسؤولية الحرب على غزّة للكيان الصهيوني وعدوانه، علاوة على كشف انحيار الولايات المتحدّة السافر مرة أخرى لجانب إسرائيل في مجلس الأمن.
  3. إن تفعيل هذه المادة، يعني أن تداعيات الحرب على غزّة، أي ما تقوم به إسرائيل، يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليّين.[4]
  4. رغم إخفاق مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار لصالح وقف إطلاق النار في غزّة بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، إلًا أن "الفيتو" يسمح بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للاجتماع، وكانت هذه مناسبة لإظهار حجم التأييد العالمي لوقف إطلاق النار، والذي أيّده 153 دولة وعارضه 10 دول مع امتناع 23 دولة عن التصويت. [5]

ويشير (أكيد) إلى أن التعسّف في استخدام "الفيتو" من قبل بعض الدول الخمس الدائمة العضوية في حالات عديدة أسهم في النّيل من مصداقية عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن، وأدى في حالات عديدة إلى عجز مجلس الأمن عن الاضطلاع بمسؤولياته، وهو ما يولّد حالة من الإحباط لدى المجتمع الدولي نتيجة لعدم اتخاذه التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليّين، وهذا ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 2022 إلى اعتماد قرار (L.52) بإنشاء ولاية دائمة لإجراء مناقشة خلال عشرة أيام في الجمعية العامة عندما يُستخدم "الفيتو" في مجلس الأمن شريطة ألا تكون الجمعية العامة قد عقدت اجتماعًا حول الموضوع نفسه، وهذا القرار عزّز الدور المنوط بالجمعية العامة وفق ميثاق الأمم المتحدة.[6]

 وفي المحصلة، فإنّ استخدام غوتيريش للمادة (99) من ميثاق الأمم، مؤشر إضافي على مدى أهمية ومركزية القضية الفلسطينية كقضية دولية، واتساع تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على كامل المنظومة الدولية.