عمّان 5 آب (أكيد)-سوسن أبو السُّندس- إدراج المواقع الأثرية الأردنية في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، لا يعزز من جاذبية هذه المواقع فحسب، بل يضمن حمايتها وصونها للأجيال المقبلة. ونظراً لأن السياحة تُعدّ من أهم مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني، لا بد من العمل على توثيق المناطق الأثرية لتعزيز مكانة البلاد كوجهة سياحية عالمية.
بعد الإعلان عن إدراج مدينة أم الجمال موقعًا أردنيًا سابعًا على لائحة التراث العالمي لليونسكو، والتي تضم: البترا، قصر عمرة، أم الرصاص، وادي رم، منطقة المغطس، ومدينة السلط، أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدًا كميًا ونوعيًا لمعرفة مدى انخراط الإعلام المحلي في مناقشة المعوّقات التي تمنع تسجيل باقي الآثار باعتبار تسجيلها خطوة ضرورية. وقد أشارت اليونسكو عبر موقعها الرسمي عن بعض المعوّقات التي تواجه الدول في موضوع توثيق الآثار، وعلى ذلك لا بد للإعلام من الوقوف على تلك المعوقات، ومناقشتها على نطاق واسع.[1]
شملت عينة الرصد المواقع الإخبارية الإلكترونية الخاصة بوسائل الإعلام في الفترة ما بين الأول من حزيران لعام 2023 ولغاية الإعلان عن إنضمام مدينة أم الجمال إلى قائمة التراث العالي، أي 26 تموز من هذا العام، وأظهرت نتائج الرصد أن هناك تفاوتًا في التركيز على مختلف التحديات، وهو ما يبرز الحاجة إلى إعادة النظر في توجّهات الإعلام لتحقيق تغطية شاملة ومتوازنة.
لم يتناول الإعلام التحديات السياسية والأمنية التي قد تؤثر على حماية المواقع الأثرية أو تعيق جهود توثيقها وإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، حيث أن نسبة التغطية كانت صفرًا بالمئة. وتشكّل هذه الثغرة في التغطية عائقًا أمام فهم كامل للمخاطر التي تواجه التراث الثقافي في ظل السياقات السياسية والأمنية غير المستقرة في المنطقة.
كما لم يمنح الإعلام المحلي الحماية القانونية والإدارية اللازمة لحفظ المواقع الأثرية التغطية الكافية، حيث شكلت هذه التغطية سبعة بالمئة فقط من عينة الرصد.
إدراج المواقع الأثرية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو يتطلب تشريعات واضحة تمنع التعديات، والتخريب، والاتّجار غير المشروع، بالإضافة إلى خطط إدارة مستدامة تضمن صيانة المواقع، وتعمل على توعية المجتمع بأهميتها، هذه الجوانب ليست مجرد متطلبات شكلية، بل تعكس التزام الدولة بحماية التراث الثقافي وضمان استمراريته، لذا يجب زيادة الجهود الإعلامية للتركيز على التشريعات ذات الصلة، وتعزيز النقاش حول أفضل الممارسات الإدارية لضمان الحفاظ على المواقع الأثرية.
ورغم التحسن الملحوظ في التغطية الإعلامية لقضايا التغيرات المناخية والتهديدات البيئية للمواقع الأثرية، والتي وصلت إلى 10بالمئة، إلا أن هذه المخاطر تبقى جديّة، وتتطلّب المزيد من التوعية والحلول الفعّالة. وتشمل هذه المخاطر ارتفاع درجات الحرارة التي تُسبّب تشقّقات وتآكل في الهياكل للمباني التراثية، وتقلّبات الرطوبة التي تؤدي إلى تدهور المواد العضوية والمعدنية، بالإضافة إلى الظواهر الجوية كالعواصف والسيول. كما يسهم التلوث والنباتات الزاحفة أيضًا في ضعف الهيكل الأثري.
وأظهرت نتائج الرصد أن التوثيق والأبحاث تُحظى بتغطية جيدة في الإعلام المحلي بنسبة بلغت 40 بالمئة من عينة الرصد، ما يعكس اهتمامًا بأهمية الدراسات العلمية والتوثيق التاريخي للمواقع الأثرية. ويسهم هذا التركيز في تحديد القيمة الثقافية والتاريخية للمواقع، وحفظ المعلومات للأجيال القادمة. ومع ذلك، يجب الاستمرار في تعزيز هذا التوجه لضمان دقة المعلومات، وحماية التراث الثقافي من التدهور، خاصة في مواجهة تحديات مثل التغيرات المناخية.
من جهة أخرى، تركز وسائل الإعلام بشكل كبير على مشاكل التمويل، والتي تشكل 43 بالمئة من التغطية، حيث تبرز الحاجة إلى موارد مالية لدعم مشاريع الترميم والحفظ، إضافة إلى إجراء الأبحاث والتوثيق وإدارة المواقع، وتمويل برامج التوعية والتعليم، وكذلك الاستجابة للطوارئ. ويُعدّ الدعم المالي أساسيًا لضمان استدامة وصيانة المواقع الأثرية، وحمايتها من التدهور وفقدان قيمتها الثقافية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك خطوات دقيقة لا بد من مراعاتها عند تسجيل المواقع الأثرية والطبيعية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو تتضمن: إعداد قائمة مؤقتة بالمواقع المستحقة، تقديم ملف ترشيح شامل يحتوي على معلومات تفصيلية، وضمان استيفاء معايير القيمة الاستثنائية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين توفير حماية قانونية وخطط إدارية مستدامة للمواقع، ثم ثُقيم هيئات استشارية دولية الملفات المقدمة وتقدم توصيات إلى لجنة التراث العالمي، التي تتخذ قرار التسجيل النهائي. [2]
يشير (أكيد) إلى أهمية الدور الذي تلعبه الصحافة والإعلام السياحي في هذا السياق، وذلك من خلال تسليط الضوء على القيمة التاريخية والثقافية للمواقع الأثرية، وتقديم سرديات ملهمة عن تاريخها وأهميتها عن طريق اتّباع استراتيجيات متعددة تشمل الترويج المبتكر لهذه المواقع باستخدام مختلف وسائل الإعلام. كما يتعيّن أن تسهم وسائل الإعلام في توجيه الأنظار إلى الجهود الوطنية المبذولة للحفاظ على المواقع الأثرية من خلال عرض التحديات التي تواجه هذه المواقع، مثل التأثيرات البيئية، والاعتداءات غير المشروعة، الأمر الذي يسهم في حشد الدعم المحلي والدولي لجهود الحماية والتوثيق.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني