تشكيك إعلامي بمصداقية تقرير "مراسلون بلا حدود"

تشكيك إعلامي بمصداقية تقرير "مراسلون بلا حدود"

  • 2025-05-08
  • 12

عمّان 8 أيار (أكيد)- عُلا القارصلي- أصدر مراسلون بلا حدود عشية اليوم العالمي لحرية الصّحافة نسخته الثّالثة والعشرين من التّصنيف العالمي لحرية الصّحافة، وسلّطت هذه النسخة الضوء على معطى مفاده أن خريطة العالم تزداد احمرارًا عامًا بعد آخر، وهذا يعني أن نصف سكان الكوكب يعيشون في دول يُعدّ الوضع فيها "خطرًا للغاية" على الصحافة، وأنّ الحرّية غائبة تمامًا، وممارسة العمل الصّحفي محفوفة بالمخاطر.[1]

تربّعت الدول العربية على عرش المناطق الأكثر خطرًا على الصّحفيّين في تقرير عام 2025، وكشف التقرير تراجع غالبية الدول العربية، ومنها الأردن الذي تراجع 15 درجة ليحل في المرتبة 147 من أصل 180 دولة، لكن هذا التراجع لم يكن هو محور التغطية الإعلامية المحلية، إذ توجّهت التغطية نحو التشكيك بمصداقية المؤشر ومنهجيته، وأكثر ما أثار التساؤلات في الإعلام أن هناك دولًا تعاني من أزمات مزمنة وانقلابات عسكرية وبنى تحتية هشّة تقدّمت على الأردن، مثل زيمبابوي (126)، ورواندا (124)، وإثيوبيا (130)، وسيراليون (74)، وغينيا (111)، وموزمبيق (113)، والنيجر (117).[2]

كما أن التّقرير اتّهم الجيش الإسرائيلي بإنتاج "حصيلة مروّعة" للفاعلين الإعلاميين الذين قَتلهم الجيش الإسرائيلي في غزّة، حيث أبْلِغ عن مقتل نحو 200 إعلامي خلال العام والنصف الماضيين، بينهم نحو 43 أثناء أداء عملهم، بينما تطبق السّلطات الإسرائيلية الخناق على الإعلام في القطاع، ما أدى إلى تراجع تصنيف إسرائيل في القائمة 11 درجة أكثر من العام الماضي لتحتلّ المرتبة 112، وما زالت تتقدم على الأردن.[3]

غير أن أهم ما يستوقف المتابع لليوم العالمي لحرية الصّحافة، أنه بالرغم من توصيف التّقرير الدّولي للجانب الدموي في الممارسات الإسرائيلية باستهدافها الصّحفيّين في غزّة، وغير ذلك من قيود على الصّحافة الفلسطينية والعربية، إلا أن ذلك لم ينعكس بدرجة مقنعة على تصنيف إسرائيل. وربما يفسر هذا بعض ما جاء في وسائل الإعلام المحلي من إشارة إلى إصدار الكنيست للقانون الذي عُرف بقانون الجزيرة الذي سمح بمنع قناة الجزيرة من العمل في إسرائيل والضفة الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وهو ما لم يأت تقرير  "مراسلون بلا حدود" على ذكره. هذا علاوة على تذكيرها بمسؤولية إسرائيل بوجوب حماية الصحفيّين باعتبارهم أشخاصًا مدنيّين، وذلك بموجب البروتوكولات الإضافية لاتّفاقيات جنيف، ما يعني أن إسرائيل مسؤولة عن جميع عمليات القتل للصحفيين الفلسطينيّين والعرب.[4]    

وعلى ذلك، اعتبرت موادّ صحفية أن التّقرير ينطوي على ازدواجية في المعايير، حيث أشارت أيضًا إلى دول غربية حافظت على ترتيبها المتقدّم، رغم السقوط المهني والمدوّي لكبريات وسائل الإعلام فيها، رغم قمع الحريات وملاحقة الأصوات الحرّة، مثل الذي حدث في جامعات الولايات المتحدة، والتي خرجت لدعم غزّة، وكذلك تجاهل الإعلام البريطاني لكلّ حالات الملاحقة القانونية لصحفيّين ونشطاء انحازوا للحقيقة.

ناقشت وسائل إعلامية المؤشرات الخمسة الفرعية التي يتكون منها المؤشر العام في تقرير مراسلون بلا حدود: السّياق السياسي، الإطار القانوني، السّياق الاقتصادي، السّياق الاجتماعي والثقافي، والأمن، وأشارت إلى أن الأردن تراجع بجميع المؤشرات الفرعية باستثناء المؤشر السّياسي الذي أظهر تحسنًا. وأشارت الوسائل إلى أن التقرير لم يذكر الأسباب والوقائع التي أدّت إلى التراجع، واكتفت بتحليل عامّ لوضع الحريات الإعلامية الذي لم يشهد تغيرات جذرية قياسًا بالعام الذي سبق.

لم تنكر التقارير الإعلامية المحلية التّحديات التي تواجهها حرية التعبير في الأردن، لكنّها أكدت أن هذه التحديات لا تعني السكوت عن انحراف المعايير الدولية التي تمنح شرعية لوسائل إعلام فقدت حيادها، وتبقى دولًا "نظريًا حرة" في الصّدارة رغم ما ترتكبه من تواطؤ وانحياز في تغطياتها الإعلامية، وخاصة في ما يتعلق بحرب الإبادة لشعب غزّة وقتل الصّحفيين فيها عن سبق إصرار وترصّد.