بعد "الجريمة" ... كيف يصنع الإعلام أخبار "المرأة"؟

بعد "الجريمة" ... كيف يصنع الإعلام أخبار "المرأة"؟

  • 2021-01-26
  • 12

أكيد – مجدي القسوس - لم تمرّ الأيّام القليلة الماضية مرور الكرام، كما يُقال، فقد حملت معها سلسلة من جرائم متعدّدة ارتُكبت ضدَّ نساء داخل الأردن، والتي تتبَّعها مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني (أكيد) ورصد كيفيّة تعامل وسائل الإعلام الإلكترونيّة المحليّة معها وتوقّف عند تبعاتها؟.

وبعد أن نشرت وسائل الإعلام على شبكاتها عددًا كبيرًا من المواد "العاجلة" حول وقوع جرائم مختلفة، خلال كانون الثاني، كانت ضحاياها نساء، وألحقتها ببيانات الأمن العام، ثمَّ بتبِعات الجريمة، من "خفايا" و"أسرار" و"تفاصيل جديدة"، أجرى "أكيد" رصدًا باعتماد خاصيّة البحث المتقدم عبر شبكة "google" عن موادّ صحفيّة تناولت "المرأة" تحديدًا، لمعرفة اتجاهات الإعلام في تغطية شؤون المرأة بعد تلك الجرائم.

وتبيّن لـ"أكيد" أنَّ تلك الجرائم عُرِفت محليًّا بمصطلحات مختلفة، من بينها: "فتاة ماركا"، "فتاة مستشفى الجامعة"، ومقتل زوجة وابنها على يد الأب كأوّل جريمة في 2021، وتصدَّرت قائمة "الأكثر متابعة" في بعض المواقع الإلكترونيّة، وأثارت الرأي العام، والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مطالبين بالتوعية أكثر بدور المرأة في المجتمع؛ ليأتي دور الإعلام متمثّلاً بوظيفته الأساسيّة إلى جانب التغطية الإخباريّة، وهي المتابعة، من خلال متابعة الأحداث، وتداعياتها، ونشر التقارير المعمَّقة، إلا أنَّ الأخيرة غفلها الإعلام واستعاض عنها بموادّ إخباريّة اكتفت بتغطية مجموعة من الفعاليات، وأخرى عزّزت من الصورة النمطيّة عن المرأة في المجتمع.

وأظهر رصد "أكيد" في حدود أسبوع واحد، امتدَّ من الأربعاء 20 كانون الثاني إلى الأربعاء 27 كانون الثاني، وباستخدام كلمات بحثٍ محدّدة كـ "المرأة"، "مرأة"، "نساء"، ما يأتي:

أولاً: تغطية الإعلام لفعاليّات، كانت أبرزها متابعة لجنة المرأة في مجلس الأعيان لقضية فتاة مستشفى الجامعة، وقيام اتحاد قيادات المرأة بتأسيس فريق شبابيّ تطوّعيّ، وإطلاق حملة توعويّة إلكترونية تهدف لإشراك المرأة بالعمل البيئي بجرش، بالإضافة إلى إعداد موادّ رقميّة تناولت الارتفاع المقلق في الجرائم ضد المرأة في الأردن.

ثانيًا: المجتمع، إذ خصَّص "أكيد" زاوية لموادّ رصدها وصنَّفها تحت مسمّى "مجتمع"، وجاءت في المواقع الإلكترونيّة تحت مسمّيات مختلفة منها "لمسات" و"النصف الآخر"، و"جمالك".

ورصد "أكيد" بالحدود الزمنيّة للرصد، ما يزيد عن خمس مواد عزَّزت من الصورة النمطيّة للمرأة، وحصرت دورها بـ"إرضاء الطرف الآخر، والطهو، والموضة والأزياء"، بصورةٍ خرجت عن المعالجة المتوازنة والعادلة لقضايا النوع الاجتماعيّ، في الوقت الذي يضجّ فيه المجتمع بالجرائم التي أشرنا إليها سابقًا.

وجاءت المواد التي رصدها "أكيد" وروَّجت من خلالها وسائل الإعلام المرأة كـ"سلعة"، تحت عناوين مختلفة نذكر منها: 10 صفات يكرهها الرجل في المرأة، أسباب تجعل الرجل يحب المرأة القوية، تصرّفات تقوم بها المرأة لأسر قلب الرجل، وفي ذلك مخالفة مهنيّة للمادة 13 من ميثاق الشرف الصحفيّ، التي تؤكد أنَّ "للمرأة حق على الصحافة في عدم التمييز أو التحيُّز أو الاستغلال بسبب الجنس أو المستوى الاجتماعي"، وتُلزم الصحفيّين بمراعاة عدم استغلال المرأة باعتبارها جسدًا للإثارة، والدفاع عن حريّة المرأة وحقوقها ومسؤوليّاتها.

وتستهجن الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني المحامية أسمى خضر، في حديثها لـ"أكيد" كيف تعامل الإعلام مع جريمة "فتاة ماركا"، بقولها إن وسائل إعلام حاولت التأكيد على أنَّ الجاني ضرب الضحيّة بيديه فنزفت، في محاولة تبدو "غير مقصودة" للوقوف إلى جانب الجاني بعيدًا عن الموضوعيّة، وبانحياز. وأشارت إلى أنَّ التغطيات الإعلامية للجرائم التي تقع ضدّ النساء تعكس، غالبًا، انطباع أنَّ الضحيّة ارتكبت ما يخالف الشرع، وأنّ للجاني الحق في مساءلتها.

وتُضيف خضر، "بلا تعميم"، أنَّ التغطية الإعلاميّة في حالات الجرائم المرتكَبة ضدّ النساء تأخذ طابع التنميط والاتهام المسبق للضحيّة، وبأسلوب يحيطه الغموض الذي يدفع الرأي العام للحديث عن الجريمة وكأنَّها "جريمة شرف" وهي في غالب الأحيان لا تكون كذلك، ما ينتج عنه تحريضًا ضد الضحيّة. ولا تُنكر خضر هُنا وجود أقلام "متزايدة"، تتناول قضايا العنف ضد النساء بطريقة قانونيّة وحقوقيّة ودينيّة معتدلة، تدعو المجتمع الأردني لأخذ موقف واحد من تلك القضايا من دون تبرير الشرّ أو الجريمة.

وتشير خضر إلى أنَّ الإعلام لا يتناول قضايا المرأة بشكل دوريّ، ويندفع نحو ذلك بزخم، في حالات ارتكاب جريمة ما، أو فضيحة، أو حدثٍ استثنائيّ.

وتقول: إنَّ وسائل إعلام تُعزّز من الصورة النمطيّة للمرأة، فتُظهرها أنّها المخطِئة دائماً، وأنّ ذلك "لا يعني أنّ النساء ملائكة أيضًا، وإنَّما هي إنسان معرَّض للخطأ، وخطؤها الأوّل ليس الأخير، وهذا يتطلّب من الفتاة نفسها أن تكون أكثر وعيًا للخطأ، ومن الجتمع تقديم التوجيه والتصويب لها لإعادتها النظر بالخطأ المرتكب"، مضيفةَ أنّ الشاب الذي يرتكب الجريمة هو أيضًا "مُغرَّرٌ به" نتيجة النظرة التقليديّة المجتمعيّة التي تمنح الشاب سُلطة على الفتاة داخل العائلة، فتدفعه لفِعْل الجريمة أحياناً.

وتُطالب خضر أن تكون هناك توعية أكبر حول قضايا العنف والجريمة في المجتمع، وتعزيز ذلك من خلال المناهج الدراسيّة والمنابر وأصوات المؤثّرين كالخطباء والسياسيّين والإعلاميّين ومن لهم صوت، وبخاصّة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها البيئة الخصبة والأكثر تفاعليّة للشباب، مشيرةً إلى أنَّ الخطاب يجب أن يؤكد احترام الحقّ في الحياة، والمساواة وعدم التمييز، أو التحريض.

وتقول أمين عام اللجنة الوطنية الأردنيّة لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس لـ"أكيد"، إنّ هناك جهات إعلاميّة عدّة تأخذ موضوع قضايا العنف ضد المرأة على مَحْمَل الجد وتسعى إلى تحليلها والبحث حولها، ولكن لا تغفل النمس وجود وسائل أخرى عديدة تأخذ الموضوع وكأنه "حادث عادي"، فتبرّر الجريمة من دون أخذ موقف واضح رافض لها.

وتقترح النمس أن تستبدل وسائل الإعلام عناوينها في مثل تلك التغطيات بـ"جريمة جديدة تصدم المجتمع الأردني"، لأنّ الجريمة وقعت بحقّ الإنسانيّة والمجتمع ككلّ، ولتأكيد أن هذه الجرائم موجودة ومتزايدة، وتستهدف المجتمع ككل، وليست الضحية وحدها، مشيرةً إلى أنّ وسائل إعلام إلكترونيّة لا تزال تعتمد أسلوب الجذب في كتابة العناوين لرفع نسبة المشاهدة، متناسيةً المسؤوليّة الأخلاقيّة الواقعة على وسائل الإعلام، والمتمثّلة بتحفيز الوعي المجتمعيّ وليس تغييبه.

وتتساءل النمس إن كانت مواقع التواصل الاجتماعيّ اليوم تؤدّي دورًا إيجابيًّا أم سلبيًّا عند إثارة جريمة قتل ما، وهل يمكن اعتبارها أداة محفّزة لمتابعة القضية والبحث عن التفاصيل، في الوقت الذي يتلقّف فيه الإعلام أيّ هجوم ضد الأصوات التي تأتي من المنظمات الحقوقيّة المطالِبة بحقّ المرأة في المجتمع وتعزيز مكانتها، فتُعزّز تلك الوسائل من خطاب الكراهيّة ضد تلك المنظمات، ما يُخرِج جهودها عن السياق الذي تأتي به، مشيرةً إلى أهميّة تطوير خطاب إعلامي يتلاءم مع التطورات التي تمرّ بها المجتمعات، ويتناسب مع التطوّر السريع للإعلام وتعدّد وسائله.

 ويُلاحِظ "أكيد" أنَّ وسائل الإعلام تقع في أخطاء إعلاميّة تتعلق بالقضايا الجندرية؛ تتمثّل بتكريس الصورة النمطيّة للمرأة، أو استخدام لغةٍ منحازة ضدها، وتصويرها  بوصفها ضحية، أو منحرفة أو استثناء عن الأصل، ويغفل، أحياناً، النماذج النسائيّة الناجحة في المجتمع.

ويدعو مرصد "أكيد" وسائل الإعلام، إلى ضرورة تجنُّب الانتقائية في موضوعات التغطية، والالتزام بقضايا حقوق الإنسان من خلال قضايا الجماعات الخاصة وشؤونها (المرأة، الأطفال، المعاقون)، وتنمية الوعي الإعلاميّ بحقوق المرأة وقضاياها بعيداً عن الصورة النمطيّة السائدة، وبمعالجةٍ جادة لقضايا المرأة ومشاكلها.