سبق أن نشرنا في "أكيد" تقريرا بعنوان "حكومة النسور.. رقم قياسي في أخبار الاستقالة والرحيل". وقد رصد التقرير سلسلة من التوقعات التي نُشرت على امتداد سنوات، وثبت أنها كانت غالبا أقرب إلى "الرغبات" برحيل الحكومة. وكالعادة، وبهدف الإيحاء بالمصداقية، لجأت وسائل إعلام، طيلة تلك السنوات، إلى شتى أنواع المصادر المُجْهّلة من نوع: "محللون" و"مصادر موثوقة" و"مطلعة" و"رفيعة المستوى"، إضافة إلى الصالونات والوزراء السابقين... إلخ.
كان ذلك في الظروف الطبيعية ومن دون توفر أحداث أو تطورات حقيقية، لكن الأمر اختلف اليوم، بخاصة منذ إقرار قانون الانتخابات النيابية يوم الثلاثاء 23 شباط (فبراير) 2016، بعد تصويت مجلس النواب عليه، ورفعه إلى "الأعيان"، وهو الخبر الذي غطته وسائل الإعلام المختلفة وأرفقه بعضها بالشروحات التوضيحية لآليات الانتخاب وفرز الأصوات، كما نشر بعضها الآخر تقارير نقدية للقانون، جاء أحدها تحت عنوان: "قوائم نسبية أم دوائر فرعية؟، في حين قدمت وسائل أخرى تصورات عن مآلات القانون في التطبيق.
التغطيات الإعلامية لم تعد تقتصر على "رحيل الحكومة"، بل صارت ترفق معها قضية "حلّ مجلس النواب". ومن الطبيعي في أعقاب حدث سياسي كهذا (قانون انتخابات جديد) أن ينخرط الصحفيون في التحليلات. وقد نشرت وسائل إعلام بالفعل بعض المواد التحليلية موقعة بأسماء معرّفة لصحفيين أو كتّاب، جاءت إحداها تحت عنوان: قانون الانتخاب يفتح باب التكهنات حول الانتخابات المبكرة ورحيل الحكومة ، وعرضت أخرى بعض السيناريوهات المطروحة، وفي ثالثة: خبراء يتوقعون رحيلا وشيكا للحكومة والبرلمان بعد إقرار قانون الانتخابات، مع إيراد أسماء محددة لهؤلاء "الخبراء".
خلال الأسبوع الفائت، منذ التصويت على قانون الانتخاب في مجلس النواب، نشرت وسائل إعلام مختلفة العديد من هذه المواد منسوبة في إحداها إلى "مراقبين" رصدوا في التلميحات ما "يُشتم منه رائحة حل البرلمان" وفي أخرى نُسب، أيضا، إلى "مراقبين" أنهم يرون أن الخطوة القادمة بعد مصادقة الملك على القانون، ومن ثمّ نفاذه، أن يتخذ صاحب القرار دستوريا قرارا بحلّ مجلس النواب السابع عشر، تمهيدا لاجراء انتخابات برلمانية، وفقا للقانون الجديد، وأن يتبع ذلك قرار بإقالة الحكومة، وتشكيل حكومة انتقالية لإدارة هذه الانتخابات.
وسيلة إعلام ثالثة نسبت إلى أوساط خبيرة وعليمة أن إقرار قانون انتخاب جديد يعني عمليا أن الحكومة الحالية، برئاسة الدكتور عبد الله النسور، أنهت برنامجها ومهمته. ووسيلة رابعة نسبت "معلوماتها" إلى تسريبات لأحاديث في الصالونات السياسية بدأت تظهر الى العلن حول قرب رحيل حكومة النسور، في حين رفعت وسيلة خامسة من مستوى المعلومات وتحدثت عن "أصحاب ثأرات من نادي رؤساء الوزراء السابقين ونواب وأعيان يعقدون اجتماعات متواصلة لمعرفة من يرث حكومة النسور وفك طلاسم المرحلة القادمة والنفخ تحت النار، للطخّ على الحكومة؛ وإشاعة قرب رحيل الحكومة"، وعن زوابع تطوق الدوار الرابع، وتلاحق حكومة النسور. وأخيرا لا آخرا، كانت وسيلة سادسة أكثر تحديدا فنسبت إلى مصدر رفيع قوله إن العد العكسي لرحيل الحكومة هو أول نيسان (أبريل) وأن الانتخابات في آب (أغسطس).
بالتوازي مع هذا، تدرك وسائل الإعلام أن "المعلومة" أقوى من "التحليل" و"التوقع"، ولكن المعلومة الموثقة نادرة في مثل هذه الحالات، لا سيما وأن أمر حلّ المجلس النيابي أو رحيل الحكومة مربوطان بقرار ملكي، يبقى مكتوما حتى لحظة صدوره. ولهذا تميل وسائل الإعلام إلى المعلومات المنسوبة إلى مصادر مجهولة كي تضفي قدرا من الجاذبية على ما تنشر في هذا الموضوع، الذي يحظى بقدر كبير من المتابعة والاهتمام. وفي هذه الحالة تختلط المصادر الفعلية التي ترفض ذكر اسمها، مع ما يلجأ إليه الصحفيون من نسبة مواقفهم وتحليلاتهم الشخصية إلى "مصادر" تدعي وسيلة الإعلام أنها طلبت إخفاء اسمها.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني