تأجيل العودة للمدارس .. هل حرَّض الإعلام من أجل الحلول السهلة ؟

تأجيل العودة للمدارس .. هل حرَّض الإعلام من أجل الحلول السهلة ؟

  • 2022-02-12
  • 12

أصوات السِّياسيين وخبراء الأوبئة يسيطران على الإعلام  في قضية تأجيل المدارس

أكيد-فريق التَّحرير-أكد رصد علمي أجراه مرصد مصداقية الإعلام الأردني"اكيد" لعينة من وسائل الإعلام الأردنية شملت 17 وسيلة، أنَّ الإعلام أسهم في التحريض على تأجيل الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الجاري لمرتين، ويسهم حاليًا في الدعوة الى تأجيل الفصل الدراسي الثاني للمرة الثالثة أو العودة عن قرار التعليم الوجاهي.

وذهبت نتائج الرَّصد إلى أنَّ اصوات السِّياسين وخبراء الأوبئة احتلت الفضاء الإعلامي، وغاب أصحاب المصلحة وخبراء التعليم عن قضية مجتمعية كبرى تُعنى بحق أساسي يهم كلَّ أسرة أردنية.

وتعرَّضت العملية التَّعليمية في الأردن لظروف صعبة خلال الاعوام الدّراسية الثلاثة الأخيرة، والتي بدأت بإضرابات المعلمين عن التّدريس لفترة طويلة مع بداية العام الدراسي 2019-2020، ثم دخل العالم إلى جائحة كورونا والتي أغلق فيها الأردن المنشآت والمؤسَّسات التَّعليمية كما حدث  في عدد من دول العالم؛ ولكنه بالغ في الاغلاق وصُنِّف من بين أكثر من 20 دولة في اغلاق المدارس نتيجة جائحة كورونا، ثم عاد للتعليم الوجاهي في المدارس، وانتهى بتأجيل أول للفصل الدراسي الثَّاني، ثم تأجيل ثانٍ حتى العشرين من شهر شباط من العام 2022، مما شكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل جيل بأكمله أي نحو 2.17 مليون طالب ما زال حقهم في التعليم يشهد اضطرابا ومبالغة غير مبررة حسب وصف المنظمات الاممية في تقدير خطر فايروس كوفيد 19 ومتحوراته على استدامة  التعليم.

نتائج الرصد: الدَّعوة  للحلول السهلة

تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) تغطية 17 وسيلة إعلام محلية توزعت على 4 صحف يومية  و5 وسائل إعلام تلفزيونية، و9 ومواقع اخبارية الكترونية إحداها موقع وكالة الأنباء الرَّسمية الأردنية، ورصد المحتوى الإعلامي الذي تمَّ بثه حول قضية التَّعليم في ظلِّ جائحة كورونا، وكانت قضية تأجيل الفصل الدراسي الثَّاني من العام 2021-2022 هي محور الرصد للفترة الواقعة بين الاول من شهر تشرين الثَّاني من العام 2021 وحتى  التَّاسع من شهر شُباط من العام 2022.

واتبع الرصد منهجية كمية وكيفية في الوصول إلى أبرز القضايا التي تناولتها التغطيات الإعلامية سواء في المواد الإخبارية أو في مواد الرأي التي تمثل اتجاهات كُتَّاب الصحف اليومية واتجاهات البرامج الحوارية، وتحديد اتجاهاتها بين الدعوة الى العودة الى التعليم الوجاهي أو التعليم عن بعد أو تأجيل الفصل الدراسي، كما تتبعت عملية الرصد مدى التزام هذه الوسائل بالقيم المهنية وبتمثيل اطراف القضية، ومدى  قيام وسائل الإعلام المحلية بدورها كممثل للمجتمع والرأي العام وصوت من لا صوت لهم؛ وهم في هذه القضية الأطفال وحقهم في التعليم مقابل صوت السياسيين وخبراء الأوبئة الذي كان هو الاعلى، والاكثر حضورًا في وسائل الإعلام المحلية المرصودة.

جدول رقم (1) تغطية الصحافة اليومية ضمن الفترة 1 تشرين الأول 2021 – 9 من شباط 2022

وأوضحت نتائج الرصد أن المواد الصحفية المنشورة في الصحافة اليومية الأردنية كانت تميل في الغالب لصالح خيار تأجيل الفصل الدراسي ووقف التعليم الوجاهي، وفي المواد الإخبارية التي يفترض أن تكون محايدة أو لا تحتمل جاء نحو 20 بالمئة من المواد الاخبارية مؤيدة للتأجيل او وقف التعليم الوجاهي، في حين ذهبت نحو 61 بالمئة من  مقالات الكتاب إلى الدعوة لوقف التعليم الوجاهي أو تأجيل الفصل الدراسي، ونحو 85 بالمئة من التقارير المتابعة التحليلية ذهبت في نفس الاتجاه في وصف مخاطر الوضع القائم والدعوة إلى عدم التحاق الطلبة في المدارس.

جدول رقم (2) التغطية التلفزيونية:

ورصد (أكيد) 453 دقيقة على 4 برامج حوارية على 3 وسائل إعلام تلفزيونية إحداها تقدِّم الخدمة العامة لجمهور المتلقين بالإضافة إلى الاستماع الى 120 دقيقة من برنامجين حواريين صباحيين على وسيلتي إعلام مسموعتين إذاعيتين، وقدَّمت فيها تغطية لقرار تأجيل المدارس، وذهبت جميعها باتجاه الاستماع الى طرفين فقط من القضية وهما الجهة المسؤولة عن القرار وخبراء في التَّربية والتعليم بالإضافة إلى مبادرة تدعو إلى العودة الآمنة للمدارس.

وأشارت 33 بالمئة من مواد الرَّأي المطروحة خلال البرامج الحوارية إلى تأجيل الفصل الدراسي وخطر ذلك على انتشار الوباء، ولم تمنح هذه البرامج مساحة كافية لبيان نسبة تأثير دوام الطلبة وجاهيًا على انتشار الفيروس بالمقابل كثير من الانشطة والقطاعات تعمل بكامل طاقتها.

وتبين ل(أكيد) من خلال عملية الرّصد أنَّ وسائل إعلام عديدة روجت لتبني القرار الأسهل منذ بداية جائحة كورونا وهو اغلاق المدارس والتَّعليم عن بُعد أو تأجيل بداية الفصل الدراسي الثَّاني  ولم تقف بحياد مع الطَّرف الأهم في القضية وهم الأطفال او طلبة المدارس؛ وكانت التَّغطية العامة لهذه الوسائل تذهب باتجاه تسهيل اتخاذ القرار والترويج له وحتى استخدام كلمات تدل على تحريض باتجاه اغلاق المدارس وجاء قرار (أكيد) بهذه التغطية بعد رصد المساحة الزمنية الممنوحة لأطراف العملية التعليمية والانحياز الواضح لطرف واحد دون الآخر.

جدول رقم (3) تغطية المواقع الإلكترونية ووكالة الانباء:

ورصد (أكيد) 343  مادة صحافية في تسعة مواقع الكترونية من بينها وكالة الأنباء الرَّسمية للأنباء (بترا)، وتبين أنّّ 286 مادة إخبارية محايدة كانت إخبارية نقلا عن مصادر رسمية سواء وزارة التربية والتعليم او النَّاطق الرَّسمي باسم الحكومة، أو أعضاء في لجنة الاوبئة او وزارة الصِّحة.

ولم يعثر (أكيد) في هذه المواقع المرصودة على مواد صحافية كثيفة تعرض وجهة نظر الطلاب او أولياء أمورهم أو حتى نتائج دراسات علمية تبين أثر التعليم الإلكتروني خلال موسمين دراسيين.

جدول رقم (4) التصريحات الحكومية حول طبيعة دوام التعليم المدرسي:

تبين من خلال الرصد أنه كان واضحا أن الخطاب الحكومي كان يحرص على أن يظهر دائما بمظهر الالتزام بالتعليم الوجاهي وهذا ما عكسته التصريحات والبيانات الحكومية المتتابعة على مدى الأشهر الأربعة الماضية، ولكنَّ الاجراءات الرسمية كانت تلجأ في الاغلب إلى استنساخ الحول السهلة أي الاجراءات التي تتم على حساب العملية التعليمية والطلبة، والمبالغة في تقدير مخاطر الجائحة على الاطفال، على الرغم من انه لم تسجل أي حالة وفاة بين طلبة المدارس جراء فايروس كوفيد 19 ومتحوراته .

وعلى الرغم من أنَّ التصريحات الحكومية سواء الصادرة عن مسؤولي التربية والتعليم او الصادرة عن لجنة الاوبئة المشكلة بقرار حكومي بقيت تؤكد عودة التعليم الوجاهي مع بداية العام الدراسي 2021/ 2022 والالتزام بالتعليم الوجاهي وعدم العودة للتعليم عن بعد الا أنَّ قرارات التأجيل للفصل الدراسي توالت، فيما استمرت اشاعات العودة الى التعليم عن بعد ووقف التعليم الوجاهي تلاحق النِّظام التَّعليمي.

وأطلق ناشطون حملة تحت عنوان (نحو عودة آمنة لمدارسنا )، تطالب بعودة التعليم الوجاهي في موعده، ودعت الجهات المعنية إلى التوقف عن ربط العودة للمدارس بنسبة الإصابات الإيجابية، كما طالبت بالتوقف عن التلميح لتأجيل الفصل الدراسي الثاني أو العودة للتعليم عن بعد.

وعن مدى تفاعل الإعلام مع الحملة قالت نادين النمري الصحفية المتخصصة في حقوق الإنسان وأحد الأفراد المؤسسين لحملة (عودة آمنة)، إن الحملة هي مثال للحراك الأهلي  ذو الغاية المحددة، وهي التعليم الوجاهي، تميّزت الحملة بأنها ضمت أشخاصاً من خلفيات واتجاهات متنوعة جميعهم يتّفقون على هدف واحد، يؤمنون بالفكرة ، ويعملون في سياق تطوعي، كل بحسب مهاراته وقدراته، فمنهم صحفيون ومختصون بالرسم الجرافيكي يعملون على إعداد الإنفوجراف والشعارات والمرئيات، وكذلك متخصصون بالتحليل الرقمي عملوا على تحليل الإحصائيات، وهو ما أعطى للحملة قوة خاصة بسبب هذا التنوع.

وأوضحت النمري أن الحملة تشعر بالرضا عن مساهمة الإعلام ودوره في الدعم ، حيث اهتم الإعلام بشكل ملحوظ بمخرجات الحملة، وقام بنشر بيانات الحملة مباشرة على المواقع الإخبارية، كما سعى الصحفيون للتواصل طلباً لتوضيح بعض النقاط ، وقامت وسائل إعلامية بإضافة رأي الحملة إلى تقاريرها الإخبارية، ولم يقتصر الأمر على الصحافة المقروءة بل ظهر الاهتمام أيضاً لدى الاعلام المرئي والمسموع، وقد عملت بعض الوسائل على بناء القصص الإخبارية الخاصة بهم بالاعتماد على توجه الحملة وأفكارها.

الخطاب الإعلامي: تأطير الخوف

تنوعت أنماط التغطيات الإعلامية المتعلقة بقضية التعليم في أجواء كوفيد 19 ، وبينت نتائج التحليل أن التغطية الإعلامية في الأغلب تأطرت في إطار واضح أحيانا، أبرزها: أخذ الرأي العام  الى الحلول السهلة والمتمثلة بالميل نحو الدعوة الى وقف التعليم الوجاهي أو تأجيل الفصل الدراسي، ومن أجل تحقيق هذا الإطار العام جاء ترتيب الأطر الفرعية المستخدمة على النحو التالي :

1- إطار بناء التوقعات السلبية وربط السبب بالنتيجة : تمَّ استخدام هذا الاطار بشكل واسع في مقالات الكتاب والمواد التحليلية وفي البرامج الحوارية، ويقوم هذا الاطار على ربط التصاعد باعداد الاصابات بطلبة المدارس في الموجة الثالثة من الانتشار والتي سيطر عليها المتحور (دلتا)، وفي بناء توقعات سلبية عن عودة التعليم الوجاهي والدعوة إلى تأجيل الفصل الدراسي في الموجة الرابعة التي سيطر عليها المتحور (أوميكرون)، ومنها القول بأنَّ كسر المنحنى الوبائي مرتبط بالوضع في المؤسسات التعليمية .

2- إطار الخوف وإثارة الرعب: تمَّ استخدام هذا الاطار بشكل واسع في الموجتين الثالثة والرابعة، وربطه باستمرار التعليم الوجاهي في المرة الأولى، وفي الدعوة لاستمرار التأجيل في الموجة الرابعة من ازدياد انتشار الفايروس في المدارس بين الطلبة والمعلمين .

واستخدمت آليات متعددة في تأطير الخوف منها: التركيز على حجم الانتشار في المدارس أحيانا بذكر الأرقام بدون نسب تبين الحجم الحقيقي للانتشار، واحيانا بتخويف الأهالي بالتركيز على أنَّ الاطفال ينقلون الفايروس الى الاهالي اكثر من تأثرهم هم اي الاطفال بالفايروس  .

وأوضحت نتائج رصد الخطاب الإعلامي مبالغة وتهويل في التخويف والتركيز على المدارس والأطفال على سبيل المثال قول أحد الكتاب في إحدى الصحف اليومية (أننا ذاهبون للأصعب في مقبل الايام اذا لم نتخلّ عن عقلية الاصرار على بقاء التعليم الوجاهي بالرغم من معرفتنا مخاطر ذلك ) ، أو التركيز على عبارة قالها رئيس لجنة التعليم في البرلمان ( مقولة الحياة او الموت  وعلاقتها بالتعليم الوجاهي ) .

ولدى كاتب اخر ياخذ إطار التخويف شكلا اخر وانسجاما مع المثل القائل»الرمد ولا العمى « اي ان نقدم شهرا افضل من ان نجلس في البيت ونتعلم عن بعد دهرا بعيدا عن المدارس المكان الطبيعي لأبنائنا الطلبة.

3- إطار الحلول : اتسم الخطاب الإعلامي بالمجمل في هذه المرحلة بمحاولة تقديم الحلول من زاوية التعليم ، ذهب الخطاب الى التأطير كلما ازدادت حدة انتشار الفيروس الى الدعوة الى الحلول السهلة المتمثلة بوقف التعليم الوجاهي، والاستمرار في تأجيل متكرر للفصل الدراسي على سبيل المثال في تقرير متابعة تحليلي لوكالة الأنباء الرسمية يصف جميع الخبراء الذين استطلعت آرائهم في التقرير أنَّ تأجيل الفصل الدراسي جاء لحماية المجتمع بقوله: (  يصب في مصلحة الطلبة والمجتمع، ويسهم في التخفيف من ارتفاع الاصابات.)

4- إطار الصراع : استخدم إطار الصراع في تقديم قضية المدارس والتعليم الوجاهي في الخطاب الإعلامي واعطى هذا الاطار معنى واضح للصراع يتلخص باننا في صراع مع الوقت وفي الصراع من الانتشار السريع وفي صراع مع ازدياد الحالات المسجلة في المدارس، وفي صراع في الوصول الى اكبر عدد من الذين أخذوا اللقاح، وفي الوقت الذي استخدم فيه إطار الصراع في تقديم الجائحة في كما جرى في جهات متعددة من العالم في خدمة الصالح العام، الا ان هذا الإطار استخدم في الإعلام الأردني في مرات متعددة في تصوير أننا في صراع مع انتشار الوباء في المدارس، وأن الهدف منع وصوله أو انتشاره في المدارس، كما اشتمل هذا الإطار على تصوير الدفاع عن وجهة نظر الحكومة وكأنه في صراع مع معارضي التعليم عن بعد أو التأجيل، ويدلل أحد الكتاب في الصحف اليومية بقوله: ( فالحكومة عندما اتخذت هذا القرار كانت واضحة بأنه تأجيل للفصل الدراسي، أو سحبه أو ترحيله، ما يجعل من الأسباب التي ساقها بعض المعارضين أو الرافضين لقرار التاجيل غير مقنعة وغير منطقية، وتجعل من القضية سطحيّة جدا، تبتعد عن عمقها الصحي والطبي الهام) .

5- إطار التعميم والتبرير : اخذ هذا الإطار معنى تبرير قرار الحكومة بتأجيل الفصل في المرتين والبحث عن المسوغات له، أو التأكيد على التعميم من خلال أطروحات من بينها: أنَّ الكثير من دول العالم ذهبت الى وقف التعليم الوجاهي واعتمدت التعليم عن بعد، او ان لا خيار امامناإلا الحفاظ على الصحة العامة وحماية الاطفال أو المزيد من الانتشار والتفشي الوبائي، ومن الامثلة ما ذهب اليه احد الكتاب على موقع الكتروني بقوله: ( لقد كان خيار الانقطاع عن التعليم الوجاهي في معظم دول العالم واقعًا اجباريًا حماية للمجتمع، وتغليبًا لخيار الصحة أولًا، وفي تطبيق خيار التعليم عن بعد اجتهدت دول العالم حفاظًا على حق الطلبة في الحصول على التعليم ) .

واتخذ التبرير اشكالًا أخرى مثل تصوير أن مستقبل التعليم الوجاهي بات في مهب الريح وهو اتجاه عالمي تغذية شركات الاقتصاد الرقمي الكبرى ، حيث يذهب أحد الكتاب إلى ( إن ممّا لا شكّ فيه أن العواصف التي ألمت بالتعليم الوجاهيّ، والناتجة عن كورونا وتبعاتها، أثّرت فيه بصورةٍ سلبيّة، ولا يعني ذلك أن مستقبله مجهول الملامح أو لا يمكن توقّع ما سيؤول إليه ) .

الصوت الثالث : غير ممثل في وسائل الإعلام:

الأحداث التي رافقت العملية التَّعليمية في الأردن كانت تحتاج إلى تغطية إعلامية محايدة ومتوازنة وموضوعية ومدروسة، ومبنية على أساس مهني منصف لا يُظلم بها طرف عن طرف، فهناك عدَّة أطراف تشترك بالعملية ولها رأي في ذلك، وهذه الأطراف هي المعلم والطَّالب وولي الأمر والسلطات المسؤولة عن التَّعليم والخبراء التربيون ، بينما برزت بشكل كبير أصوات السياسين وخبراء الأوبئة المعينون في لجنة الأوبئة الحكومية  و(الكتاب الذين يصنفون بتأييد السياسات الحكومية )

وتبين من رصد (أكيد) الكمي والنَّوعي لهذه القضية أنَّ وسائل الإعلام لم تُشرك الأطراف المعنية  بنفس القدر من الوقت، واستحوذ صانع القرار والسياسيين وخبراء الأوبئة على أكثر من 80 بالمئة من التَّغطية الصَّحفية، وتم ابراز رأيهم الداعم لإغلاق المدارس او تأجيل الدراسة، بينما اختفى رأي الاطراف الاخرى وابرزهم الخبراء التربيون المستقلون  وأولوياء الأمور وحتى الطلبة ما جعل التغطية تتسم بعدم الانصاف وضعف الشمولية والحياد  ، وانضمت هذه الوسائل الى بقية الوسائل التي تمنع ظهور من لا صوت لهم في الإعلام.

وأفردت وسائل إعلام تقارير موسعة احتوت على آراء تدعم قرار تأجيل المدارس وحتى الاستمرار بالتَّعليم عن بُعد، رغم أنَّ هذا القرار قد يكون الأسهل من ناحية اتخاذه لكن تأثيره على الأجيال لم تقم وسائل الإعلام بطرح هذه الأسئلة على أحد الأطراف الرئيسية في العملية التَّعليمية وهم الخبراء المستقليين سواء الخبراء التربيون وخبراء الأوبئة والصحة المجتمعية .

الفقاعة الإعلامية : مصفوفة الآثار

لقد حاول الإعلام المحلي توفير بيئة ملائمة للقرارات السهلة وغير المكلفة في إدارة الأزمة في ملف الطلبة والتعليم المدرسي، في الوقت الذي حقق فيه الأردن نجاحات متعددة في إدارة أزمة الجائحة في العديد من الجوانب ، ان خطورة دور الإعلام في ملف التعليم تبدو في انها خلقت ما يشبه الفقاعة المحلية المغلقة التي جعلت وسائل الإعلام وصناع القرار والسياسات يدخلون في فقاعة من النقاشات ، دون مشاهدة ما يحدث في العالم او الاستفادة من تجارب الأخرين ، أو حتى سماع أصوات مستقلة في هذا الملف، خاصة في ظل واقع تعليمي صعب ومعقد أفرزته مرحلة التعلم عن بعد في ظل الجائحة والسياسات الخلافية التي تم انتهاجها في تلك الفترة. فقد كشفت نتائج الاختبارات التي أجريت للطلبة بعد العودة إلى التعليم لوجاهي عن حجم فاقد تعليمي كبير، نتيجة تعلم عن بعد استمر لما يقارب العامين دراسيين تقريبًا، والمشكلات التي صاحبت منصة درسك والتعليم عن بعد.

 منتدى الاستراتيجيات الأردني  في تقرير حول  “حالة التعليم في ظل جائحة كورونا”، صدر في نهاية 2020  ذهب  إلى احتمالية أن تكون الجائحة أكثر خطرا على التعليم الأردني مقارنة بدول أخرى، خصوصا في ما يتعلق بجودة وكفاءة التعليم .وحذر التقرير الذي لم يجد نقاشا موسعا في وسائل الإعلام  من تدني الوقت الذي يقضيه الطلبة في التعلم، ومن التغيب، واحتمال ارتفاع حالات التسرب، إضافة إلى رفع نسبة ظهور المشكلات النفسية والتطورية في شخصية الطفل بسبب تعميق العزلة المجتمعية.

وأوضح التقرير بعض المؤشرات التي جعلت من بدائل التعليم عن بعد غير عادلة وغير كفؤة ، فهناك 59.3 % من المدارس تعاني نقصا في البنية التحتية، و54.7 % نقصا في المواد التعليمية، و 49 % نقصا في الكادر المساعد، و45.9 % نقصا في الكادر التعليمي.

وفي استطلاع للرأي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية واعلن نتائجه في 14/ 9/ 2021  أعرب 78 % من الأردنيين عن اعتقادهم بأن الوضع الوبائي المتعلق بفيروس كورونا أصبح تحت السيطرة، في حين أيد 88 % التعليم الوجاهي وعودة الطلبة الى المدارس .

وفي ورقة السياسات التي طورها البنك الدولي بالتعاون مع منتدى الاستراتيجيات الأردني بعنوان  "الإنفاق على التعليم، وديناميكيات الالتحاق، وأثر جائحة كوفيد-19 على التعلم في الأردن" جاء فيها   (ان  أداة المحاكاة التي تم تطويرها في الدراسة حللت طول المدة الزمنية لإغلاقات المدارس والأثر المحتمل على التعلم جراء الصدمات التي أضرت بمصادر الدخل. مشيرة إلى أن نتائج المحاكاة بينت حدوث انخفاض ملموس في سنوات التعليم المدرسي المعدلة حسب التعلم والعلامات في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة في المستقبل، الأمر الذي يوضح أن الجائحة تهدد بإضاعة جهود سنين من العمل الدؤوب لتطوير القطاع التعليمي في الأردن )

وعلى المستوى العالمي بات من المتفق عليه ووفق عشرات التقارير الصادر عن منظمات دولية مستقلة ومنظمات أممية ان اجراءات الإغلاق المبالغ فيها للمدارس والتحول الطويل للتعليم بعد المدى قد ترك آثارا خطيرة بعيدة المدى على انظمة التعليم ، وفق تقرير منظمة (هيومن رايتس ووش) ، بعنوان  "سنوات لا يمكنهم تعويضها: زيادة التفاوتات في حق الأطفال في التعليم بسبب تفشي فيروس كورونا" أن الاعتماد الشديد على التعلم على الإنترنت أدى إلى تفاقم التوزيع الحالي غير المتكافئ للدعم المقدم للتعليم. العديد من الحكومات ليس لديها السياسات أو الموارد أو البنى التحتية اللازمة لاعتماد التعلم على الإنترنت بطريقة تضمن تمكين جميع الأطفال من المشاركة فيه على قدم المساواة.

ورصد (أكيد) عدد أيَّام تعطيل الدِّراسة في الأردن حسب الجدول التَّالي:

 

لجنة التخطيط في وزارة التربية والتعليم أقرَّت تقديم موعد الاختبارات النهائية للفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2021-2022 لتبدأ بتاريخ 8 كانون الأول من العام 2021.

وأقرت تقديم بداية الفصل الدراسي الثاني للعام 2021/ 2022، ليبدأ اعتبارًا من تاريخ الأول من شباط من العام 2022  بحيث سيبقى مجموع أيام العام الدراسي للفصلين 195 يومًا دراسيًا، انسجامًا، مع التقويم المدرسي المعتمد.

واتخذت وزارة التربية والتعليم قرارا في بداية الجائحة بتاريخ 5/2/2020 الإبقاء على الدوام كما هو معمول به، على أن يتم تخفيض 5 دقائق من كل حصة صفية، 10 دقائق من الاستراحة والغاء 5 دقائق بين الحصص.

وصدر قرار حكومي رسمي بإعلان تعطيل المدارس والجامعات 14 يوماُ بسبب فيروس كورونا في 14 اذار/ 2020 ثمَّ قررت وزارة التربية العمل بالتعلم عن بعد عبر منصة درسك، وعبر التعليم المتلفز حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني بتاريخ 30/5/2020 في حين بدأت الاختبارات التحصيلية النهائية للفصل الدراسي الثاني لطلبة مرحلة التعليم الأساسي وطلبة المرحلة الثانوية / السنة الأولى (الحادي عشر) يوم الخميس الموافق 3/6/2021، وانتهت يوم السبت 19/6/2021.

وأطلقت وزارة التَّربية والتَّعليم برنامج الفاقد التعليمي لتعويض الطلاب والتي بدأت منتصف آب/اغسطس و استمرت لمدة شهر، والذي غطى أربعة مباحث رئيسية وهي مادة اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم للصفوف الأساسية باستثناء طلبة البرنامج الدولي وطلبة التوجيهي للبرنامج الوطني. وبالتالي فإن موعد بداية الفاقد التعليمي كانت يوم الأحد 15 آب/اغسطس 2021.

  وبحسب بيانات وسيلة إعلام خارجية نقلا عن أرقام منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) فقد بلغ مدة إغلاق المدارس في المملكة إلى 54 أسبوعا.

وتشير قاعدة بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن الأردن قد حصل على المرتبة 20 عالمياً بأعلى الدول إغلاقاً للمدارس بسبب تفشي وباء كورونا؛ حيث بلغ إجمالي أيام الإغلاق 148 يوماً خلال الفترة من آذار 2020 إلى شباط 2021. ومع حلول العام الدراسي الجديد (2021/2022) سيكون طلبة المدارس في الأردن قد خسروا أكثر من معظم دول العالم فيما يتعلق بالتعليم (الوجاهي) بحسب تقرير منشور في صحيفة الغد.

ومن بين نماذج  التغطية  التي رصدها (اكيد) حول التَّعليم في ظل جائحة كورونا وتأجيل العودة للمدارس في مختلف وسائل الإعلام ما يلي:

هل سيتم تأجيل الفصل الدراسي الثاني؟

كسر الموجة يعني التوقف عن التعليم الوجاهي

عين على التعليم الوجاهي.. وعين على المنحنى الوبائي

ماذا قصد د.المومني حينما قال : الحياة أو الموت وعلاقتهما بالتعليم الوجاهي
الفصل الثاني.. سيناريوهات وتساؤلات حول مدىمأمونية العودة

هل يؤجلأوميكرونبدء الفصل الدراسي الثاني؟

تأجيل الفصل الدراسي: الأولوية للصحة الآن

قرار صائب من وزارة التربية

أبو زيد يكتب: التعليم بين العودة إلى التعليم الوجاهي والحفاظ على صحة المجتمع

مستقبل التعليم الوجاهيّ إلى أين ؟

تأجيل الدوام المدرسي هدف سام للصالح العام

الطراونة: يجب تأخير دوام المدارس أو العودة للتعليم عن بُعد

خبيران: قرار تأجيل دوام المدارس حماية للطلبة والمجتمع

تأجيل الفصل الدراسي بين مؤيد ومعارض

الأزمات: أوصينا بتأجيل دوام الفصل الدراسي الثاني

تأجيل الفصل الدراسي الثاني

تأجيل بدء الفصل الثاني في المدارس الحكومية والخاصة عدا التوجيهي إلى 20 شباط

التربية لرؤيا: قرار تأجيل دوام الفصل الثاني يشمل جميع المدارس الحكومية والخاصة - فيديو

الحملة الوطنية للعودة إلى المدارس تعلق على قرار تأجيل دوام الفصل الدراسي الثاني

التربية: قرار تأجيل دوام المدارس تم على 4 مستويات

الحكومة: القرار بشأن تأجيل دوام المدارس سيصدر بأسرع وقت ممكن

"التربية" : تأجيل دوام طلبة المدارس الى بداية ايلول

قببيلات .. تأجيل دوام المدارس بتوصية من الأوبئة والأخيرة تنفي

البرلمان يقترح تأجيل دوام المدارس لما بعد الانتخابات

الأمين العام قرار تأجيل دوام المدارس جاء للحفاظ على التعليم الوجاهي

الأردن: مطالب بعدم تأجيل العودة إلى المدارس

ويشير (أكيد) في ضوء هذه التَّغطية إلى ما يلي:

أولًا: منحت وسائل الإعلام المرصودة مساحات واسعة لسياسيين وخبراء الأوبئة وأصحاب القرار للحديث وغياب لطرف الطلبة بشكل كبير.

ثانيًا: لم يعثر (أكيد) على تغطيات واسعة للاصوات المستقلة مثل الخبراء المستقليين او التعريف بالممارسات الجيدة في العالم او المبادرات الوطنية الداعمة لحقوق الطلبة مثل "مبادرة العودة الآمنة للمدارس " .

ثالثًا: يجب تحديد الجهات المرتبطة بقضية التَّعليم ومنحها مساحات متساوية لابداء رأيها.

رابعًا: على وسائل الإعلام تغطية كل الأبعاد والآثار التي تنجم عن مثل هذه القرارات وأن لا تكون مع طرف ضد آخر وهذا يتبين من خلال الزمن الممنوح لصاحب القرار في مثل هذه التَّغطيات.

خامسًا: التقصي ونشر تغطيات معمقة حول آثار التعليم عن بعد ومقارنة هذه القرارات مع الدول الأكثر تضررا بجائحة كورونا ولم يتم اغلاق المدارس او تأجيل الدراسة فيها.