أكيد– أنور الزيادات
جانبت التنبؤات الجوية الأخيرة الدقة، فرغم الحديث عن توقع تساقط الثلوج في عمان على إرتفاع 900 متر فوق سطح البحر، الا أن ذلك لم يحدث، وللأسبوع الثاني على التوالي، تسببت التوقعات غير الصحيحة بتغيير أجندة المؤسسات والأشخاص، فالكثير من المؤسسات وخاصة الخدمية منها أعلنت حالة الطوارئ فيما غير المواطنون خططهم لنهاية الأسبوع.
ووفق متابعة مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) فان هناك تشابها كبيرا في النشرات الجوية بين دائرة الأرصاد الجوية وطقس العرب اللذين يشكلان المصدرين الرئيسيين لوسائل الإعلام حول الحالة الجوية، وجاء في النشرة الجوية التي يقدمها موقع طقس العرب بالتعاون مع دائرة الأرصاد الجوية الأردنية ليوم 23 كانون ثاني 2018 "منخفضان متتالييان يؤثران على المملكة يومي الخميس و الجمعة و ثلوج مُتوقعة الجمعة فوق 900 متر".
ومن العناوين التي تناولت الحالة الجوية خلال الفترة ذاتها "ثلوج على المرتفعات فوق 900 متر" ووصلت عناوين المواقع الاخبارية إلى تحديد أماكن الثلوج مثل العنوان التالي" بالاسماء .. مناطق تساقط الثلوج غدا.
وفي خبر بعنوان "تراكمات للثلوج في عمّان الجمعة"، قال مدير العمليات الجوية، في موقع طقس العرب، أسامة الطريفي، "إن مرتفعات خلدا، تلاع العلي، الجبيهة، وصويلح، إضافة إلى دابوق، من العاصمة عمّان، ستشهد تراكما للثلوج بعد ظهر الجمعة ، تعمل على حدوث إغلاقات"، مضيفا أن "تراكمات الثلوج تبدأ من مرتفعات عجلون وجرش، وتمتد تدريجيا مع ساعات ظهر ومساء الجمعة، إلى مرتفعات عمّان".
وقالت دائرة الأرصاد الجوية أن "الثلوج ستتساقط بين الحين والأخر فوق المرتفعات الجبلية العالية والتي يزيد ارتفاعها عن 900 م فوق سطح البحر".
ونقل موقعان أخران خبرا بعنوان: فلكي يخفف من تهويل "التوقعات الجوية الرسمية وغير الرسمية" بشأن المنخفض الجوي جاء فيه: "تأثر المملكة بمنخفض جوي من أصل قطبي، يومي الخميس والجمعة، يتوقع ان يسقط خلاله زخات خفيفة من الثلوج في مناطق محددة بالأردن، لن يكون بحجم التهويل الاعلامي الذي تم له"، مشيرا الى أن "الثلوج ستتساقط بشكل خفيف في الجنوب وتحديدا في الشوبك ومختلف المرتفعات الجبلية، أما في الشمال ستكون تتساقط أمطار ممزوجة بالثلوج، وليس تراكمات كما روج لها في وسائل الاعلام خلال الايام الماضية".
وتابعت المواقع إخفاق التنبؤات الجوية تحت عدد من العناوين ومنها طقس العرب يبرر فشل توقعاته الأخيرة و"أين ذهبت ثلوج عمّان؟ وهو خبر تضمن بيانا لموقع طقس العرب أٌقر فيه بعدم دقة توقعات الثلوج في المناطق الوسطى ، موضحا أن "الموقع بصدد اعادة عمل هيكلة شاملة لكيفية إيصال المعلومة الجوية بالطريقة المناسبة والصحيحة والدقيقة عبر الوسائل المختلفة".
ونشرت مادة أخرى بعنوان "أين الثلج ؟ جاء فيها" للمرة الثانية خلال الايام الماضية لم تكن تنبؤات نشرات الطقس الجوية الاردنية موفقة بشأن حالة الطقس، ودقيقة بشأن تساقط الثلوج بالمملكة"، مشيرة الى أن "نشرات الطقس بالغت كثيرا بتأكيدها على تساقط الثلوج مما أدى إلى حالة من الإرباك قبيل الموجة وتهافت المواطنين على المخابز والمواد".
وتابعت المواقع هذه التغطية بالعديد من العناوين الأخرى "كيف سخر الأردنيون من توقعات مراكز الأرصاد الجوية ؟ "المنخفضات الجوية.. فبركات هواة الطقس.. من يوقفها، بهرجة في وصف المنخفضات الثلجية عززت حالة الفزع لدى المواطن
ونشرت عدة مقالات حول الموضوع منها الثلوج غابت ... ورفع الخبز تحقق ، منخفضاتنا من المسؤول .. منخفضات ثلج لا يأتي! ومقال أخر تحت عنوان ثلوج تغمر الشوارع! جاء فيه "بلغت دقة التنبؤات في أحوال الطقس بالأردن حد تسمية الأحياء التي ستتساقط عليها الثلوج وتتراكم يومي الخميس والجمعة، ولم يبق عليهم سوى تقدير الكميات على مستوى الشوارع والمنازل، ومع استمرار تدفق الأخبار بغزارة في وسائل الإعلام عن الثلوج وما يرافقها من صور أرشيفية، يشعر الناس أن الثلوج تتساقط بالفعل وتغمر الشوارع وتسد أبواب منازلهم. ثلوج افتراضية لا أكثر ولا أقل ويحدث هذا للأسبوع الثاني على التوالي، واللافت حقا ليس عدم دقة التنبؤات لفترات زمنية طويلة، بل الإخفاق في تقدير حالة الطقس لعدة ساعات قادمة، وتأخر وصول المنخفضات مقارنة مع التوقعات لأكثر من 24 ساعة".
وقال دكتور هندسة الأرصاد الجوية في معهد الأمير سلطان لإبحاث البيئة في جامعة الملك سعود الدكتور قاسم الطراونة لمرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، "إن الجهات التي تقدم النشرة الجوية في الأردن تفتقد للمتخصصين فعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، وغياب المتخصصين المؤهلين تسبب في غياب الدقة في التنبؤات"، مشيرا الى أن "الأرصاد علم ويجب ان يكون هناك خبراء، والأمر لا يعتمد على الهواية".
وأضاف "الاعلام يبالغ في نشر حالة الطقس وفي الوقت ذاته فإن تخوف المتنبئ الجوي من المسؤولية يتسبب بعدم الدقة، وعلى المتنبئ الجوي اذا كان هناك حالة صعبة في الطقس ولا يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق ان يوضح ذلك للجمهور، ففي الحالة الواضحة يمكن الجزم، لكن هناك حالات صعبة والمتنبئ الجوي في امتحان مستمر، ويمكن اعطاء نسبة لاحتمالية تساقط الثلوج".
وأوضح الطراونة أن "هناك حلقة مفقودة بين الراصد الجوي والمجتمع، فلا يوجد جراءة بالحديث بشكل دقيق وصحيح مع المجتمع وبشكل صريح، وفي بعض الحالات على المتنبئ الجوي ان يقول هذه الحالة لا يمكن الحكم عليها بشكل دقيق، للخروج من حالة التضليل، ولكن هذه الثقافة مفقودة".
وقال نتساءل هل الجهات التي تقدم النشرة الجوية مرخصة؟، مشيرا إلى إخفاق مجلس النواب في إقرار" قانون الأرصاد الجوية" وهذا يعني أن أي جهة غير مرخصة لا يمكن محاسبتها، فاذا قال شخص ان هناك اعصار ولم يأتي لا يمكن محاسبته".
وأضاف "كيف لوسائل الاعلام أن تقوم بالاعتماد على مصادر غير مرخصة قانونيا، ومن يتحمل مسؤولية في نشر مثل هكذا معلومات واخبار لها توابعها الاقتصادية على المؤسسات الخاصة والعامة وحتى الافراد، وهل هناك مصالح متبادلة".
وحول عدم الدقة في توقعات الثلوج أشار الطراونة الى أن "الاعتماد على قراءة الخرائط الأجنبية من أوروبا وأمريكا وعدم اصدار وانتاج خرائط بالإضافة الى عدم وجود عدد كاف من المتخصصين تسبب بعدم الدقة"، وأضاف "لا يمكن تحديد ارتفاع سقوط لثلج بشكل دقيق بالاعتماد على تلك الخرائط".
وحول الاختلاف من مصدر الى أخر، قال "ان الخرائط العالمية واحدة لكن المشكلة في القدرة على القراءة الدقيقة والخطأ يحدث بسبب الاعتماد على العلم النظري وليس التطبيقي، فلا يمكن الاعتماد على تقدير درجات الحرارة على محدد واحد كالارتفاع فقط ، فمعدل الرطوبة متغير لا يمكن اغفاله وعملية النسبة والتناسب بين الارتفاع ودرجة الحرارة والقياس عليها لتحدي ارتفاع المنطقة التي يتساقط عليها الثلوج ليس دقيقا".
وأوضح أنه "من الخطأ إعطاء إرتفاع محدد لتساقط الثلوج، فهو أمر لا يمكن التحكم به"، مشيرا الى أن "المتنبئين الجويين اصبحوا بسبب الضغط الاعلامي يعطون أرقاما غير دقيقة"، مضيفا أن على "المؤسسات الخدمية الأخرى عند التنبؤ باحتمال تساقط الثلوج ان تكون مستعدة وهذا لا يرتبط بتحديد ارتفاع المنطقة التي يسقط عليها الثلوج، كما لا يمكن كذلك تحديد سمك الثلوج المتراكمة فهي تختلف من منطقة الى اخرى ومن معطيات الى أخرى".
وقال ان المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقوم بدور تنظيمي لدوائر الارصاد في العالم من خلال قياس المتغيرات الجوية وعناصر الطقس أربع مرات يوميا وفي موعد محدد في مختلف دول العالم لتشكل بنكا من المعلومات، مشيرا الى ان عضوية المنظمة مرتبطة بالمؤسسات الرسمية المرتبطة بالدول والتي تملك محطات للقياس مبينا ان هناك 27 محطة موزعة على مختلف انحاء المملكة تتبع لدائرة الإرصاد.
بدوره قال الخبير الفلكي والراصد الجوي عماد مجاهد لمرصد مصداقية الإعلام الأردني(أكيد) ان "الأخطاء من المصادر سببها قلة الخبرة"، مضيفا "نحن نحب التهويل، فبعض وسائل الاعلام تبحث عن الاثارة وجذب القارئ من خلال تسجيل اعداد المشاهدات وجذب اعداد اكبر من الاعجابات" ، داعيا الى الابتعاد عن التنافس والسبق الإعلامي الذي يحقق أهدافا ضيقة بعيدا عن الأهداف العليا والعامة للوطن.
وأضاف "ان بعض المواقع الإخبارية لا يوجد لديها حس مسؤولية، وتعتمد أسلوب إثارة الخداع وذلك ينعكس بأثر سلبي على الإعلام بشكل عام، فالمواطن يقع ضحية للتضليل"، مضيفا "يجب أن لا تكون محاولة جذب القراءة على حساب الناس وقلقهم، والاستعداد لشي غير صحيح"، وبعد ذلك ستفقد وسائل الاعلام ثقة الناس بها.
وقال "ان حالة الطقس كانت واضحة في الخرائط الجوية على الاقل قبل 24 ساعة، وأن جميع الجهات تحصل على خرائط الطقس التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة، وهنا الامر يرتبط بالخبرة التي تقوم بقراءة هذه الخرائط بشكل موضوعي ودقيق".
وبين ان "التنبؤ الجوي أصبح يرتبط بشكل كبير بطبيعة الحياة المعاصرة، فالدولة بجميع مؤسساتها تتأثر بشكل كبير بالحالة الجوية، وعليه فان في نشر أخبار الطقس عملية هامة وتؤثر بشكل كبير على عمل الدولة ومقدراتها، والأخطاء التي تقع فيها عملية التنبؤ الجوي تكلف الدولة والمجتمع الكثير".
وقال إن علم الأرصاد الجوية الحديث رغم التطور العلمي الكبير في تكنولوجيا الرصد الجوي والتنبؤات الجوية فأن دقة التنبؤات الجوية تتراجع مع طول المدة الزمنية، فمثلا تصل نسبة دقة التنبؤات الجوية لمدة 24 ساعة إلى حوالي 90% أو تزيد وتقل النسبة إذا زادت المدة فتصل إلى حوالي 85 % لمدة 48 ساعة وتصل إلى حوالي 40% عند التنبؤ بالطقس لمدة 4 أيام، وعليه فان مراكز التنبؤات الجوية العالمية لا تصدر تنبؤاتها لمدة تزيد عن أربعة أيام، لكن في نفس الوقت يتم تحديث المعلومات كل 12 ساعة بحيث تتوافق مع التغيرات التي تحدث في الطقس.
والملاحظ أن وسائل الاعلام لم تقدم أي اعتذار عن عدم الدقة التي حصلت، فيما قدم موقع طقس العرب تبريره للموضوع، ولكن بالمقارنة فان هناك مواقع اخرى في دول شقيقة قدمت اعتذارا واضحا على منصتها الاجتماعية جاء فيه "لم تعهدوا علينا الفشل لكننا في هذه الحالة فشلنا، ومن حقكم الغضب والاحتجاج، وليس من حقنا الا ان نقدم الاعتذار على حالة جوية لم ينجح فيها احد ولم ينجح فيها نموذج طقسي ولا خارطة، نعدكم بمزيد من الجرأة و القليل من التروي".
وحمل مواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مراكز الرصد الجوي، وسائل الاعلام موجهين لها الاتهامات بالمبالغة ،وعدم الدقة، بأساليب ساخرة احيانا، وبنقد لاذع في أوقات أخرى.
وتناول مرصد (أكيد) التغطية الاعلامية للحالة الجوية في العديد من التقارير سابقا ومنها :وسائل إعلام تخدع الجمهور بعناوين مضللة حول حالة الطقس، منخفض جوي عميق وثلوج الأسبوع المقبل.. خبر غير صحيح، أخبار الحالة الجوية.. اعتذار مصادر المعلومات رسالة إعلامية إيجابية، وسائل إعلام محلية تنوع مصادرها لنقل الحالة الجوية.. والتهويل موجود، ممارسات فضلى في التغطية الإعلامية للأحوال الجوية، وما زالت الاخطاء المهنية تتكرر، وهذا يعني ان وسائل لم تتعلم من تجاربها في هذا الاطار.
ويرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني أن عدم دقة المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام بغض النظر عن مصدرها ينعكس سلبا على ثقة الجمهور بوسيلة الاعلام، التي اختار متابعتها لثقته بمصداقيتها، والنشرات الجوية غير الدقيقة والتي تتداولها العديد من وسائل الاعلام ينعكس سلبا على الثقة بالإعلام بشكل عام.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني