غياب المصادر الرسمية .. فجوة في الخطاب الإعلامي الأردني حول الجدار الحدودي الأردني الإسرائيلي

غياب المصادر الرسمية .. فجوة في الخطاب الإعلامي الأردني حول الجدار الحدودي الأردني الإسرائيلي

  • 2024-12-05
  • 12

عمّان 4 كانون الأول (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- في منطقة تتشابك فيها الجغرافيا بالتاريخ والسياسة، خطا وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في 26 تشرين الثاني 2024 خطوة جديدة نحو تصعيد التوترات الإقليمية بإعلانه تسريع بناء سياج أمني على الحدود مع الأردن، واصفًا المشروع بأنه درعٌ ضروري أمام التهديدات المتزايدة. هذا الإعلان لم  يكن مجرد تصريح عابر، بل فتح صفحة جديدة من الجدل الإقليمي مثيرًا العديد من التساؤلات حول الرؤية الإسرائيلية لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.[1]

لم يكن الحديث عن بناء الجدار وليد اللحظة، إذ تعود جذوره إلى عام 2012، عندما طرحت إسرائيل الفكرة للمرة الأولى، قبل أن يعيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إحياءها، معلنًا عن نيته إقامة سياج حدودي يعزل إسرائيل عن محيطها، ومع تصاعد الأحداث الأمنية، مثل عملية معبر اللنبي في أيلول الماضي، وحادثة البحر الميت في تشرين الأول، يبدو أن المشروع بات يحتل أولوية قصوى في الخطاب الإسرائيلي الرسمي.[2]

ونظرًا لأهمية الحدث، أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدًا كميًا ونوعيًا لتغطية الإعلام الأردني لقضية بناء الجدار الحدودي الإسرائيلي، في الفترة الممتدة من أيلول 2023 إلى تشرين الثاني 2024، بهدف معرفة نوعية واتجاهات التغطية الإعلامية، وتحديد مدى قدرة الإعلام المحلي على تقديم خطاب يعكس الموقف الأردني بشكل شامل.

تضمن الرصد عينة قصدية من 24 مادة إخبارية موزعة بين الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وقد استحوذت التقارير المكتوبة على النسبة الأكبر، حيث بلغت 20 مادة، وهو ما يعادل 84 بالمئة من إجمالي العينة، ركزت فيها على نقل التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليّين، مع معالجة محدودة للجوانب السياسية والأمنية للمشروع، دون التعمق في التحليل أو تقديم استقصاء شامل.[3]

أما المواد المرئية، فقد بلغت مادتين، وهو ما يمثل 8 بالمئة من العينة، عُرضت عبر برامج تحليلية ناقشت أبعاد الجدار بشكل أكثر تفصيلًا، من خلال استضافة محلّلين وخبراء لتوضيح التأثيرات السياسية والأمنية على الأردن والمنطقة، في ما تضمنت العينة مادتين إذاعيّتين، بما نسبته 8 بالمئة أيضًا، وركزت المواد الإذاعية على تحليل ردود الأفعال المحلية والدولية، مع محاولة للحصول على موقف من الحكومة الأردنية أكثر وضوحًا إزاء المشروع.[4]

شكلت التقارير الإخبارية ما نسبته 70 بالمئة من العينة، وركزت بشكل أساسي على نقل الحدث دون تقديم تحليلات معمقة. أما المقالات التحليلية ومقالات الرأي، والتي مثلت 30 بالمئة فقد تناولت التأثيرات السياسية للمشروع الإسرائيلي بزوايا نقدية أكثر  عمقًا، واعتمدت التغطية على لغة ذات نبرة تحذيرية متوازنة، سلّطت الضوء على المخاطر الأمنية والسياسية للجدار، لكنها افتقرت إلى التحليل القانوني والاستقصاء الإعلامي المعمق.

وأظهرت نتائج الرصد غيابًا شبه كامل للمصادر الرسمية الأردنية في تناول قضية الجدار الحدودي الإسرائيلي بحسب عينة الرصد، ما دفع وسائل الإعلام المحلية إلى الاعتماد بشكل كبير على تحليلات الخبراء والمحلليين ونقل تصريحات غير رسمية، وحدّ من قدرة وسائل الإعلام على تقديم صورة شاملة تعكس رؤية الدولة بوضوح.

ناهيك عن تفاصيل أساسية لا تزال غير معروفة، مثل الطول الإجمالي للجدار، الموعد المحدد لبدء التنفيذ، والأراضي التي سيُقام عليها، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى امتداد المشروع وما إذا كان سيشمل أراضٍ فلسطينية أو يهدد الأراضي الأردنية، ما يعكس نقصًا في الشفافية ويستدعي تغطية إعلامية معمقة لتوضيح أبعاده وأهدافه الحقيقية.

ومن ناحية الأبعاد القانونية، كان هناك إشارات محدودة إلى قرارات سابقة لمحكمة العدل الدولية التي اعتبرت بناء جدران مشابهة انتهاكًا للقانون الدولي، إلا أن وسائل الإعلام لم تقم بإبراز هذه الأبعاد بشكل كافٍ، ما يعكس قصورًا واضحًا في الإشارة إلى هذه الزاوية القانونية لتوسيع نطاق التغطية وتعزيز فهم الجمهور لها.

وفي سياق مشابه، لعب الأردن دورًا بارزًا في مواجهة جدار الفصل العنصري الإسرائيلي المقام في الضفة الغربية، حيث وثق موقفه الرافض للجدار عبر مذكرة قانونية قدمها إلى محكمة العدل الدولية في عام 2004، والتي أكد فيها على أن بناء الجدار يمثل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في صدور رأي استشاري من محكمة العدل الدولية يعتبر أن  الجدار غير شرعي ويطالب بإزالته وتعويض المتضررين.

غياب تسليط الضوء على هذا الموقف الأردني السابق في التغطية الإعلامية لقضية الجدار الحدودي الإسرائيلي يعكس ضعفًا في استثمار السوابق القانونية لتعزيز الرواية الوطنية ودعم الموقف الأردني أمام الجمهور المحلي والدولي.

في المقابل، قدم الإعلام الإسرائيلي خطابًا تبريريًا يعكس انسجامًا تامًا مع الرواية الرسمية للحكومة الإسرائيلية، حيث ركزت التغطية الإسرائيلية على تبرير المشروع كضرورة أمنية، مع تضخيم التهديدات الإقليمية وربطها بعمليات تهريب الأسلحة والمقاومة، متجاهلة أي تداعيات سلبية على العلاقات الإقليمية أو الوضع القانوني للمشروع، وعلى ذلك  أظهر الإعلام الإسرائيلي أداءً متماسكًا، واستخدم الجدار كأداة دعائية لدعم أهداف إسرائيل السياسية والأمنية.

يشير (أكيد) إلى أهمية توحيد الخطاب الإعلامي من خلال الاستناد إلى مصادر متنوعة تعزز تحليل الأبعاد السياسية والقانونية للقضايا الحساسة، مع التركيز على توظيف الوسائط الرقمية والمرئية لإنتاج محتوى متعدد اللغات يخاطب الجمهور المحلي والدولي،  ناهيك عن أهمية رفع المهنية الإعلامية من خلال دفع الصحفيّين لانتاج تقارير تعتمد على التحليل والاستقصاء بما يعزز من قدرة الإعلام على تقديم تغطية معمقة وذات تأثير.

إلى جانب ذ لك، يلعب الإعلام المحلي دورًا محوريًا في التصدي للروايات الإسرائيلية التي تحظى بدعم خطاب إعلامي منظم ودعائي، وذلك من خلال تقييم الأداء الإعلامي المحلي بشكل منتظم ومستمر، ومن شأن هذا النهج أن يطوّر الاستراتيجيات الإعلامية، بما يعزز قدرة الإعلام المحلي على إبراز المواقف الوطنية بوضوح وقوة، على المستويين الإقليمي والدولي.