جفت الزيتون.. فضلات مطلوب التخلص منها أم مادة نفذت بسبب كثرة الطلب عليها؟

جفت الزيتون.. فضلات مطلوب التخلص منها أم مادة نفذت بسبب كثرة الطلب عليها؟

  • 2015-12-07
  • 12

المثال الذي نتناوله هنا بالغ الوضوح في الفرق بين مادتين إعلاميتين تتعلقان بالموضوع ذاته، إحداهما مشغولة في الميدان، والأخرى في المكتب.

ففي يومين متتاليين، نشرت صحيفة يومية متابعة لموضوع مخلفات الزيتون في المعاصر المعروفة بـ"الجفت". في اليوم الأول، الاثنين 7 كانون الثاني (ديسمبر) الجاري، نشرت المادة "المكتبية" بعنوان "مخلفات الزيتون: سيف ذو حدين.. ملوث للبيئة ومفيد للتدفئة". ونُشرت المادة الميدانية في اليوم التالي بعنوان: "اختفاء الجفت من الأسواق يرفع أسعاره".

من الناحية الفنية المهنية، صيغت المادتان بشكل جيد، فقد حملتا عنوانين دالّين، واشتملت كل منهما على العناصر التي تكفل اتّسامهما بالدقة والتوازن والحياد، وتقديم وجهات نظر الأطراف المختلفة، لكنهما حملتا محتوى متناقضا في ما يخصّ موضوعا واحدا، ما يؤدي إلى تشويش القارئ.

المادة الأولى "المكتبية" نسبت إلى جهات معنية وذات اختصاص أن 70% من معاصر الزيتون تلقي الجفت كنفايات في المناطق المجاورة، وهو ما يسبّب مخاطر بيئية، مع مطالبة بتصنيع الجفت لتُستخدم مادة تدفئة، كما عرضت موقف الوزارة المعنية (الزراعة) التي أكدت أن المعاصر تتخلص من الجفت بطرق خاطئة، وأن لديها تعليمات بتتبع المخالفات.

المادة الأخرى "الميدانية" عرضت شكوى سكان جرش من اختفاء مبكر للجفت، ما أدّى الى ارتفاع سعره بنسبة 70%، وهو ما يعني حرمانهم من مصدر تدفئة رخيص نسبيا. وأكد هؤلاء السكان قيام المعاصر ببيع كامل كميات الجفت لمتعهدين وتجار، يعيدون تجفيف وتصنيع الجفت وبيعه بأسعار عالية للمواطنين.

المادة "المكتبية" قدمت معلومات صحيحة من الناحية النظرية (البيئية)، كما لو أنها أخذت من الكتب، غير أن الموضوع المطروق للنقاش واقعي، أما المادة الميدانية فقد قدمت صورة واقعية.

 في العمل الصحفي، لا يوجد ما يمنع من تناول المدخلين: النظري والعملي، ولكن كان على المادة "المكتبية" ألّا تفترض أن ما يقوله المختصون هو ما يجري في الواقع فعلا، بل تقدم نفسها بصفتها مادة نظرية، وإلا فإن عليها انتظار ما يقوله الميدان.

بعيدا عن مدى أهمية الموضوع المطروق هنا، فإن المتوقّع من الصحافة أن تزاوج بين المكتب والميدان، أو أن تجعل المكتب والميدان يتحاوران ويتجادلان معا في المادة المنشورة، كي تتمكن من تقديم المعلومة الكاملة غير المشوشة للقارئ.