أكيد- رشا سلامة
تناقلَت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ما يزيد على 43 خبراً حول 6 حوادث انتحار أطفال منذ مطلع العام الحالي 2018 حتى اليوم، يغلب عليها الطابع الخبري بشكل تام، مع غياب للمتابعة الخبرية في أيام لاحقة (باستثناء قضية فتاتين في الزرقاء) وغياب بالمطلق لأي تحقيقات صحافية حول قضية انتحار الأطفال، وفق رصد لـ"أكيد".
واكتفت المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام بنسخ الأخبار ذاتها وتداولها كما هي، فكانت النتيجة الآنفة 43 خبراً لم يتجاوز النطاق الزمني لتداولها يومين إلى ثلاثة أيام من تاريخ وقوع حادثة الانتحار، لينتهي عقب هذا تداول الخبر أو متابعة لما تمخّض عنه التحقيق.
وربطَت 10 أخبار صحافية حول ثلاث حالات انتحار أطفال، بين الحادثة ولعبة "الحوت الأزرق"، برغم نفي الأمن العام للأمر.
ويتربّع تداول الصور والفيديوهات المتعلقة بمحاولات الانتحار على رأس الأخطاء المهنية التي يرتكبها الصحافيون في تغطية هذه القضية، بالإضافة للاكتفاء بالخبر المقتضب من دون تحرّي التفاصيل أو استطلاع آراء المختصين. وفي مرات يتم إغفال العُمر أو أي معلومات تتعلق بظروف الطفل الواردة حالته.
اكتفاء بتناقل الأخبار
وبلغ عدد تناقل ونسخ خبر انتحار فتاتين في الزرقاء بواسطة الشال 9 مواد، خلال الفترة من 11-21 حزيران 2018، وقد التزمَت معظم الأخبار بالصيغة ذاتها ولم تغيّر عليها، غير أن متابعة واحدة لم تجرِ بعد ذلك للوقوف على آخر مستجدات القضية، كما لم يُنشر تحقيق صحافي موسّع حول حالات انتحار القُصّر.
وحاز خبر انتحار فتاة في الهاشمي الشمالي بالشال أيضاً على اهتمام المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام، بتاريخ 8 يوليو 2018، ليبلغ عدد مرات تداوله 11 مادة، لكن لم تجرِ أي متابعة إعلامية للأمر، ولا مناقشته والتعليق عليه من قِبل اختصاصيين اجتماعيين أو خبراء في تربية الطفل.
واختارت معظم هذه الأخبار صورة تعبيرية للشال، في إشارة لطريقة الانتحار.
وربطت 4 مواد صحافية بين التوجيهي وبين انتحار فتاة شنقاً في منزل ذويها في العقبة، في 26 حزيران 2018، لتكتفي هذه المواد بتناقل الخبر كما هو من دون متابعة ما آلت إليه نتائج التحقيق لاحقاً، ومن دون إضافة تفاصيل جديدة على الرغم من التنويه لتصريح مأخوذ عن مصدر أمني.
كما تناقلت 4 أخبار نبأ وفاة فتاة في إربد، بشبهة الانتحار شنقاً، بتاريخ 18 حزيران 2018، لتضيف بعض الأخبار تفصيلة أنها من مخيم الحصن في إربد وأن عمرها 15 عاماً، لتقول أخرى أنها من مخيم عزمي المفتي، ليختار خبر صحافي إيراد تفاصيل حول طريقة الانتحار، وهو ما يجافي المهنية في تغطية هذا النوع من الأخبار.
وحظيَت أخبار انتحار طفل في المفرق، يوم 10 آذار 2018 برواج لافت؛ إذ وصل تداولها إلى ما يزيد على 15 خبراً، أُبرِزَت فيه المفرق في العنوان، مع ذكر تفاصيل مقتضبة وموحّدة بين الأخبار كلها، ولم تجرِ متابعة القضية أو البحث في ظاهرة انتحار الأطفال، ولا حتى الربط بين هذه الحادثة وأخرى مشابِهة حدثت في العام 2014. كما جرى الربط في خبر واحد بين هذه الحادثة وبين لعبة الحوت الأزرق.
وغابت المناقشات الإعلامية لهذه الظاهرة، أو حتى الكتابة المطوّلة حولها، في وسائل الإعلام الأردنية، في مقابل حضورها في وسائل إعلام عربية، تحت عناوين عدة من قبيل "أريد الموت يا أمي": كيف نواجه شبح انتحار الأطفال قبل فوات الأوان؟، وانتحار الأطفال قهراً من المدرسة والبيت، و"انتحار الأطفال.. مخاوف حقوقية من تفاقم الظاهرة في المغرب".
لعبة الحوت الأزرق
وارتبطت مواد تناولت 3 من حالات انتحار الأطفال في الأردن (فتاتان في الزرقاء وطفل في المفرق) بلعبة الحوت الأزرق، التي تعدّ من ألعاب الفيديو التي تحدثت وسائل إعلام عن تسبّبها بكثير من حالات الوفاة وفقاً لإملاءات اللعبة.
وبلغ عدد المواد التي تناولت هذه الثيمة في مناقشتها انتحار الأطفال 10 مواد، توزعت بين وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية.
وحتى تلك المواد التي ربطت بين اللعبة وفعل الانتحار، لم تقدم ما يكفي من معلومات حول الأمر، كما لم تحاول التواصل مع خبراء بهذا الشأن للوقوف على ماهية اللعبة وأثرها الفعلي، وفي مرات اكتفت بعض هذه المواد بإيراد تعليقات من حمّلوا اللعبة وهم في الغالب في دول غربية وليست عربية، لتجنح أخرى نحو عنوان مبهم يموّه مكان الحالات، وليتبيّن أن الخبر برمته خاص ببلاد عربية شقيقة (تونس) وليس الأردن، ومن دون الإشارة لوجود شبهات انتحار بسبب اللعبة محلياً.
وكانت وسائل إعلامية قد أوردت مادة مطوّلة فيها توضيح لماهية اللعبة ومخاطرها وحالات الانتحار التي تسبّبت بها عالمياً، من دون ربط ذلك بالشأن المحلي، لتربط أخرى الأمر بحالات اشتُبِه بحدوثها في الأردن ولتجري معدّة المادة مجموعة من المقابلات مع مراهقين كانوا بصدد الانخراط في هذه اللعبة.
وعلى الرغم من نفي الأمن العام أن تكون هذه اللعبة هي السبب وراء انتحار فتاتين في الزرقاء، فإن بعض المواد الصحافية قامت ببناء المادة على هذه الفرضية وانطلقت منها للحديث عن خطورة اللعبة، مرفقة إياها بصورة قاسية الملامح وتحتوي على دماء، كما أرفقت وسيلة إعلامية عربية خبراً بنته على هذه الفرضية أيضاً رغم نفي الأمن العام.
د. أحمد بني هاني: الصحافيون يكتفون بتناقل الخبر دون متابعته
يذهب مدير المركز الوطني للطب الشرعي د. أحمد بني هاني لمثل ما ذهب إليه الرصد الذي أجراه "أكيد" في الفترة الزمنية الواقعة من مطلع العام الحالي حتى 22 أيلول 2018، اعتماداً على ملاحظاته. يقول "برغم حرصي على متابعة ما يُنشر إعلامياً، إلا أني لم أجد متابعة خبرية واحدة حول الأمر. يكتفي الصحافيون بتناقل الخبر ليحظى بالسبق الصحافي لكن من دون البحث الجاد عن سبل وقاية".
حول الشريحة العمرية للأطفال المنتحرين، يقول بني هاني إن "ثمة تفريق بين مرحلتين عمريتين حتى وإن كان الطفل فيهما إنساناً غير راشد بعد"، ويوضح "ثمة طفل غير مميز، وهو من كان دون سن البلوغ، ولا تُصنّف حالته كانتحار في الحقيقة لأنه يكون حادث عرضي فهو غير مدرك لمعنى الانتحار، أما الآخر وهو ما بعد سن البلوغ فيكون مدركاً لما يفعل حتى لو كانت أفكاره مغلوطة".
يسوق مثالاً عن حادثة طفل عمره عام واحد قضى بحبل الستارة شنقاً وهو يلعب مع شقيقه الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام. يوضح "على الرغم من كون الطفل مات شنقاً، إلا أن هذه الحالة عرضية ولا تصنف كانتحار رغم أنها موت بالشنق".
يقول بني هاني إنه غير مخوّل بالتصريح للإعلام في حال حدوث انتحار، لكنه يوضح الآلية التي تصل من خلالها بعض الأخبار "ثمة صحافيين ذوي خبرة في هذا المجال ولهم الكثير من العلاقات مع الأمن وفي مرات مع الطب الشرعي. يبحث هؤلاء عن السبق الصحافي ويظفرون بخبر انتحار طفل أو راشد، لكنهم لا يتابعون الأمر لاحقاً ولا يقدمون خدمة توعوية للجمهور من خلال إظهار الأسباب والبحث عنها".
يستدرك بني هاني أنه "لا يستطيع التصريح بالتفاصيل كلها حتى وإن حاول صحافي ما التواصل". يقول "ثمة تفاصيل لا نتحدث عنها بسبب الخصوصية والحقوق الجزائية، عدا عن كون بعض هذه الحالات لم يُبتّ فيه قانونياً، وقد يؤثر النشر على سير التحقيق".
ويردف أن دور المركز الوطني للطب الشرعي "ينحصر في معاينة الجثة والإصابات التي تظهر عليها وتحديد ما إذا كانت هناك علامات عنف أو أي علامات جسدية مصاحبة لفرضية الانتحار مثل وضعية الأصابع بعد الانتحار بإطلاق الرصاص مثلاً، ومن ثم يُعهَد للجهات الأمنية بالبتّ في الأمر وفقاً للتقرير".
يكمل أن المحقق الجيد هو من يحسم حالة الانتحار من عدمها من خلال التحقيق مع المتواجدين في الموقع ومع من يحيطون بالضحية ويعزّز هذا بتقرير الطبيب الشرعي، الذي يتناول الجوانب السابقة.
ووفق دراسة أجراها بني هاني في العام الحالي، فإنه أحصى 82 حالة انتحار في الأردن، 7 حالات منها تتعلق بالأطفال، بزيادة حالة واحدة عما رصده "أكيد" في وسائل الإعلام، كان أحدهم يبلغ من العمر 9 أعوام فيما البقية يراوحون بين 15 و17 عاماً، لتكون النسبة الأعلى من المنتحرين عن طريق الشنق ومن ثم الإحراق فالتسمم الدوائي ثم الأعيرة النارية فالسقوط من مكان مرتفع، وحالة واحدة باستعمال أداة حادة.
يتحفظ بني هاني على جزئية المناطق الجغرافية وجنس المنتحرين؛ "ذلك أن ثمة تفاصيل لم تنكشف بعد، كما أن النتائج النهائية تصدر في نهاية العام وليس الآن"، مردفاً أنه يصعب حصر محاولات الانتحار؛ "لكون بعضها يتم في الخفاء ولا ينجح، فيما البعض الآخر يحمل مسميات أخرى".
رنا حداد: لا نبحث عن السبب ولا الخلفية الاجتماعية والعائلية للطفل
تقرّ الصحافية المختصة بتغطية شؤون الطفل رنا حداد بعدم وجود متابعات إخبارية لحالات انتحار الأطفال، في معظم المرات. تقول "ننقل الخبر في العادة، لكننا لا نحاول البحث عن السبب ولا حتى السؤال عن الخلفية العائلية والاجتماعية للطفل".
ترى حداد أنه لا بد من إرفاق هذه الخلفيات الضرورية للخبر؛ "لمحاولة الوقوف على الأسباب وتحاشي تكرار الحالة لدى أطفال آخرين"، مستدركة أن الصحافي يحاول هذا في مرات كثيرة، لكنه يُصدم بتعنّت بعض المسؤولين والمختصين الذين يتهمونه بـ "محاولة خلق ظاهرة في المجتمع، رغم كونها محض حالات فردية".
د. تيسير إلياس: حبذا لو يبتعد الإعلام عن التهويل
يقترح الاستشاري النفسي في مستشفى الرشيد للطب النفسي وعلاج الإدمان د. تيسير إلياس طريقة قد تبدو آمنة في نقل أخبار انتحار الأطفال. يقول "لربما من الأفضل نقل الخبر من دون تهويل؛ ذلك أن كثيراً من المراهقين باتوا يتّبعون هذا الأسلوب للفت الانتباه"، ليسوق المثال عن "محاولات القفز عن مبانٍ مرتفعة والتلويح بالانتحار على مرأى ومسمع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".
يقول إنه من الأمثل توجّه المختصين لموقع الانتحار، "من قبيل الاستشاري النفسي والمرشد الاجتماعي وأفراد الأمن المكلفين بمتابعة الحالة، فيما يأتي دور الإعلام لاحقاً وليس خلال عملية منع الانتحار".
وكان مرصد أكيد قد طوّر عدداً من الاقتراحات في التعامل المهني المفترض إعلامياً مع حوادث الانتحار.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني